بمجرد أن مر ذلك العدوان الهمجي على غزة وبدأنا نستفيق شيئا فشيئا مما ألمنا من "غيبوبة" حزن برغم ما يسكننا من خوف مميت أو بالأحرى ذلك الهاجس المزمن المختبئ في قلوب الضعفاء. ولكن الإستفاقة تفرض علينا إستراق لحظات تأمل لعلها تمكننا من سد تلك الثغرات التي إستغلها طوفان الحقد ليقترف ما إقترفه من جرائم على أجسادنا ومن أبرزها ما عرفته الجامعة العربية من سلبية على مستوى إستراتيجية التحرك ونتائجه إبان العدوان طرحت تساؤلات حول الجدوى من هذه المنظمة الإقليمية التي أثبتت الأحداث بأنها لم تخضع إلى تطويرات وظيفية وهيكلية من شأنها أن تأهلها للتموقع في مواجهة التحديات التي فرضت على "الأمة" العربية. لقد تعددت الإختبارات إبتداء من حرب الخليج الأولى إلى الثانية ثم وصولا إلى دولة الإحتلال أو عفوا إحتلال الدولة فيما يتعلق بالملعب العراقي. أما الإختبار الثاني للجامعة كان في الملعب الصومالي أين غيبت الدولة قصرا وإنقسمت لسنوات عدة لشبه دويلات وما بقي إلا ذلك الحضور الرمزي في كرسي التمثيل في مؤتمرات - مهاترات الجامعة وكأن هاجس الجامعة أصبح ديكور الدولة. أما الإختبار الثالث فكان على أرض السودان التي مثلت في مخيلة العرب طوال عهود عدة مصدر افتخارا لهذا الإمتداد العميق للأمة في قلب إفريقيا "النابض" ولكن السودان الذي ناصر وإحتضن قيام الجامعة منذ بداية المشوار يبدأ مخذولا من رهان الأمس وأضحت ديبلوماسيتة تبحث عن بدائل أخرى أبرز مثال على ذلك توجه وفد مناصرة من حزب الله على عين المكان هاتفا "لبيك يا عروبة" ولربما إعتقد ساسة السودان بأن صوت حلفاء اليوم من ثكنة ما سمي "بالممانعة" ستخيف أوكامبو المزمجر في وجه السيادة السودانية. ففي اللاوعي السوداني إرتبطت الجامعة العربية بمفهوم الخذلان منذ محاولات تقسييم السودان من قبل جيش الجنوب المتمسك باللاهوية عربية وصولا إلى مساعي أكمبو الملفوفة بغطاء لوبي التهويد والتغريب والتي وقف العرب أمامها شارعين عصا "نندد" وكان من الأحرى إعلان سقوط أكمبو بالتراجع عن المصادقة على قانون روما. فشل الجامعة العربية يتجلى بوضوح من خلال المشهد الفلسطيني الذي تعمقت الهوة ما بينه وبين الحل العادل والمستمر وسقطت كل الممانعات العربية وآخرها خطة السلام العربية المنبثقة عن قمة بيروت 2000 ولم تتحرك الجامعة للتصدي لما واجهه الشعب الفلسطيني من تقتيل وتهجير وحصار منافي لكل المعايير الدولية ووقفت كذلك تشاهد بسلبية ماعاناه الداخل الفلسطيني من ويلات إنقسام كادت تقتل حلم الوطن - البديل الموحد. وبعد كل هذه المواقف السلبية تجاه حل الصراع التقليدي العربي الصهيوني أصبحت الجامعة العربية موضع إتهام وترجمة واضحة لإرتهال الوضع العربي وقد تعمق هذا الشعور خلال عدوان غزة أين حملت الجماهير العربية نعوش رمزية كتب عليها الجامعة العربية والتي كانت حينها تبحث لنفسها عن مسلك ينقضها أمام هذا المصاب العظيم التي تضاعف عندما شهدنا تجاذبات عربية وإقليمية حول الجدوى من عقد قمة عربية وقد وصلت حدة هذه التجاذبات إلى حد إقدام قطر على إحتضان " قمة اللاقمة " بحضور فصائل فلسطينية أعطيت لها تشريفات الملوك بالإضافة إلى حلفاء اليوم إبتداء من ممثل عن صديق العروبة بإمتياز شفاز وصولا إلى حفيد السلطان عبد الحميد رجب أردغان المنسلخ عن التكتلات الإستشراقية والمتجه إلى معسكر "لبيك يا وطن". كل هذه الإرهاصات والصعوبات جعلت السؤال يتجدد حول ما الجدوى من الجامعة العربية التي لم تسع إلى مواكبة التطورات التي تفرضها التحديات المستجدة خاصة تلك المتعلقة بظهور تشكلات إقليمية داخل المنطقة العربية ومغايرة للمفاهيم التقليدية للتحالفات بالإضافة إلى ما شهدته التحالفات التقليدية كالإتحاد الأوروبي من تطويرات هيكلية ووظيفية أزعجت شركاء أوروبا التقليديين من العرب والذين أستبدلوا بأخوة العرق من أوروبا الشرقية. إن الجامعة العربية أمام ضرورة مراجعة هيكلتها والخروج بها من مأزق المحاصصة والإرتباط بالمصالح الضيقة ولعلها أمام ضرورة إتباع المنهج الأوروبي القائم على مبدأ مشاركة الجميع وديمومة العمل نفيا لمنهج العمل الدوري غير المواكب للمخاطر والتحالفات ولربما نجد خيار تركيز سلطة تنفيذية فاعلة من خلال رزمة من الآليات المستعملة من الدول وفي نفس الوقت مدعمة من لدن هذه الأخيرة يمكن أن تتبلور في الأمانة العامة التي يجب إحاطتها بهياكل إستشارية ذات صبغة تنفيذية على شاكلة المفوضيات والمتخصصة حسب القطاعات كما يتوجب النظر في ضرورة تفعيل السلطة التشريعية العربية والتي إقتصر إحداثها إلى حد الآن على هيكلة غلب عليها الطابع "التشريفاتي" فإحداث سلطة تشريعية قارة تمكن من المناقشة الفعلية والفاعلة لمختلف القضايا العربية مع ربط علاقة وظيفية مع بقية الهياكل التنفيذية على أساس إقصاء كل إعتباط من شأنه أن يضفي الكثير من المصداقية على العمل العربي كما يتوجب إعادة النظر في تفصيل إتفاقيات سابقة كإتفاقية الدفاع المشترك والميثاق العربي لحقوق الإنسان. بالإضافة إلى الحاجة من إحداث غطاء قضائي عربي من شأنه أن يوحد العمل القضائي العربي وينجز فقه غطاء ينير سبيل الأجهزة القضائية العربية أما في الشؤون الإقتصادية فلا بد للجامعة من أن تقوم بتجميع المؤسسات المشتتة في هذا المجال في إطار موحد يكون غايته الأساسية تنشيط الفضاءات الإقتصادية والتجارية الحرة. إذن الساعة تدق والزمن يمر والإدارة تتغير وما على الجامعة إلا العمل... والعمل.