تسلم ليلة أول أمس المتسابق التونسي سعيد الحظ جائزة مسابقة اللغة الفرنسية من يدي الرئيس السينيغالي السابق والأمين العام الحالي لمنظمة الفرنكفونية السيد عبدو ضيوف في أجواء احتفالية تكرر فيها اسم بلادنا عشرات المرات ورفرفر علم تونس في استوديوهات القناة الفرنسية فرنسا 3 منتجة البرنامج وتحل تونس بذلك محلّ كرواتيا البلد الذي فاز بالمسابقة في دورتها لسنة 2008. أصبح برنامج "أسئلة إلى بطل" الذي يختص في الثقافة العامة وتقبل عليه المعاهد العليا وما يعرف بالمدارس الكبرى إضافة إلى المثقفين والمتضلعين في عدد من الإختصاصات العلمية والفكرية إلخ... أصبح من برامج المسابقات المعروفة وهو يتواصل منذ سنوات بدون انقطاع. ويخصص البرنامج منذ أكثر من 15 سنة سهرة للغة الفرنسية. ومن البلدان التي شاركت في الدورة الجديدة للمسابقة نذكر مصر وتركيا والكامرون والمكسيك والولايات المتحدة وإيطاليا وفنلندا وغيرها. تدور المسابقة على مراحل. تخصص المراحل الأولى للتصفيات في حصص يومية على القناة الفرنسية المذكورة ويترشح من بين المتسابقين عشرة فقط للدور النهائي. وكان الموعد في سهرة الثلاثاء مع الدور النهائي الذي وضع تونس في مواجهة إيطاليا لتؤول الكلمة في نهاية الأمر إلى المتسابق التونسي. مع العلم أن المسابقة تدور أمام جمهور حاضر بالأستوديو. وقد تهيأت تونس كما ينبغي لهذا الموعد حيث أن الجمهور الذي كان حاضرا بأعداد مكثفة ما فتئ يشجع المتسابق التونسي وذلك بالموسيقى والهتافات ورفع الأعلام. وقد كان من بين الجمهور فرقة موسيقية تلبس اللباس التقليدي وتعزف على الآلات التقليدية وهي تتحرك على وقع الإجابات الصحيحة للمتسابق التونسي. ينشط المسابقة " جوليان ليبار " منذ سنوات كذلك. مع العلم أن البرنامج يبث يوميا مساءا على قناة فرنسا 3 كما أنه للجمهور موعد مع نفس البرنامج في عدد من السهرات عندما يتعلق الأمر بحدث ما على غرار مسابقة الفرنكفونية مثلا. إتقان اللغة الأم ثم اللغات الأجنبية إشكال يطرح بجدية خاصة أمام الأجيال القادمة وقد لا يفوت الملاحظ أن البرنامج في ظاهره خاص بالألعاب والمسابقات وهو حصة من حصص الترفيه بالتلفزيون الفرنسي لكن في حقيقة الأمر فإن البرنامج له أهداف تتجاوز ذلك. بدء بالجائزة المتمثلة هذا العام في إقامة في فرنسا لمدة أسبوع يتاح فيها للفائز زيارة فرنسا مع احترام البيئة. هكذا تسمى الجائزة حيث تكون الزيارة بيئية بالأساس يتجول فيها الفائز في الربوع الخضراء الفرنسية ويقف عند خصوصيات البيئة والمحيط بهذا البلد ومرورا بمضمون المسابقة إذ يقع الغوص في الثقافة الفرنسية وتاريخها ووصولا إلى الهدف الأساسي المتمثل في ضمان استمرار تواجد اللغة الفرنسية بالخارج يسعى البرنامج إلى تجنب الإبتذال وأقصر السبل للوصول إلى الجمهور وهو ربما ما يفسر استمراره كل هذه السنوات. ومعلوم أن اللغة الفرنسية التي تستعمل بالخصوص في البلدان التي كانت مستعمرات لفرنسا بدأت تعرف تراجعا لصالح لغات أخرى من بينها اللغة الإنقليزية التي تكتسح المجال بشكل مكثف وملحوظ. وتقوم منظمة الفرنكفونية التي تضم البلدان التي تستعمل اللغة الفرنسية خاصة تلك التي تستعملها كلغة ثانية بعمل نضالي بأتم معنى الكلمة في سبيل استمرار اللغة الفرنسية التي كما سبق وذكرنا بدأت تفقد تأثيرها حتى في البلدان التي كانت رائجة فيها بقوة. وما فتئ المحللون في تونس مثلا وهي من البلدان الأعضاء في منظمة الفرنكفونية يحذرون من تراجع مستوى اللغة عند الأجيال الجديدة سواء تعلق الأمر باللغة الأمّ أي العربية أو اللغة الثانية الفرنسية. وتوجه أصابع الإتهام بدرجة أولى إلى المدارس والمعاهد والجامعات التي يقع تحميلها المسؤولية الأكبر في تراجع مستوى التلاميذ في مجال اللغة. في فرنسا كذلك غالبا ما تصلنا أصداء عن تراجع الفرنسية وعدم تمكن الفرنسيين من لغتهم بنفس المستوى الذي كان عند الآباء والأجداد. ويعتبر اليوم الحفاظ على نقاوة لغة ما من بين أبرز التحديات التي تواجه الأمم التي يسكنها هاجس الحفاظ على لغتها الحية في ضوء ما يشهده العالم من تحولات خاصة في مجال الإتصال الذي يشهد الثورة تلو الأخرى ويجعل وسائل الأمم التقليدية في الدفاع عن ثقافاتها وطبعا لغتها تكاد تكون بلا فاعلية. . ونحن في تونس إذ نحرص على اتقان أكثر من لغة فإن الخشية أصبحت حقيقية بشأن تراجع اللغة العربية بدرجة أولى وعدم التمكن من اللغات الأخرى التي تدرّس كلغات أساسية ثانية وثالثة بمدارسنا ومعاهدنا. وهو ما يطرح إشكالا ويعتبر تحد بالنسبة للأجيال الجديدة والقادمة. وإذ فتحت التلفزة التونسية الباب لتجربة استيراد بعض البرامج من خلال بث برامج أجنبية وتونستها بعد أن وقع اقتناء حقوق بثها فإنه قد يكون من المفيد أن تتوسع التجربة لبرامج ربما لا تكون ذات نفس القدرة على جلب الجماهير لكنها ربما تعود إيجابا على المشاهد. اللغة ليست فقط وسيلة للتخاطب، إنها مرآة الحضارة والتاريخ وبرنامج على غرار"أسئلة إلى بطل" خاص باللغة العربية يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة خاصة فيما نأمله من تنشيط ذاكرة المشاهد فيما يتعلق بخصوصيات حضارته وتاريخه وتحديدا بخصوص هويته.