في تفاعل حي بين قيم التضحية ونكران الذات للماضي المجيد.. ورهانات الحاضر واستحقاقاته.. والتطلع لبلوغ مرحلة الطموح في المستقبل.. يحتفل الشعب التونسي بعيدي الاستقلال والشباب بكل نخوة واعتزاز.. وهي مناسبة اقترنت فيها روح التضحية من أجل الحرية والانعتاق.. والمثابرة لمزيد انجاز المكاسب وتعزيز الانتماء والهوية. إن استقلال الشعوب هو عمل يومي دؤوب تنصهر فيه قيم الولاء للوطن وبذل الجهد ومغالبة الصعاب لضمان الكرامة وترسيخ مقومات السيادة.. وهي معان نبيلة كرسها الأجداد والآباء المؤسسون لتونس الحديثة بفضل استنارة العقل وجسامة التضحية.. معبّدين الطريق لأجيال الاستقلال حتى تنعم بالحرية وتمارس حقها في الحياة الكريمة. لقد دفع وطنيون أحرار من هذا الشعب حياتهم ثمنا لحرية غيرهم، وتراكمت التضحيات على مدى أحقاب معززة بمبادئ المساواة والتمسك بالانتماء والعدل والحرية التي أسس لها رواد مصلحون لتتحقق العزة والكرامة وليجني الشعب التونسي ثمار هذا النضال وهو يحتفل اليوم بالذكرى الثالثة والخمسين للاستقلال المجيد. ومثلما كانت المعركة بالأمس ضد قوى الاستعمار والهيمنة والاستلاب الفكري والاغتراب الحضاري الى جانب الفقر والجهل والمرض، فإن معركة تعزيز المكاسب وتحصين الهوية والارتقاء بحياة الفرد الى أرقى المراتب تتواصل اليوم مستمدة جذوتها من تراكمات الماضي التليد. إن معركة اليوم ليست ضد الهيمنة المباشرة في شكل استعمار مقيت، بل ضد تحديات العصر ومتطلبات التنمية تختزلها مسائل التشغيل والاصلاح الديمقراطي ومخاطر الاغتراب.. وهي كذلك تحديات مستحدثة فرضتها قواعد العولمة والكتل الاقتصادية الكبرى والثورة المعلوماتية. وفي عملية استشراف لمتطلبات الحاضر والمستقبل وتفاعلا مع التحولات الداخلية والخارجية اعتمدت تونس بهدي من الرئيس زين العابدين بن علي مقاربة تنموية واقعية تتفاعل مع استحقاقات الحاضر وتعدّ وتبني للمستقبل من منطلق وعي عميق بأن المواطن التونسي هو الوسيلة والغاية لكل بناء وانجاز، وهو القوة الدافعة ورأس المال الثابت في كل عمل تنموي. وهذه الخيارات على درب الاصلاح والتحديث والارتقاء بالواقع الداخلي عززت موقع تونس اقليميا ودوليا وأهلتها لاحتلال مراتب متقدمة على درب التطور والنماء. وبذلك تتعزز مكاسب الاستقلال ومناعة الوطن وتؤمَّّن للأجيال القادمة أسباب النخوة والحياة الكريمة.