قد لايختلف اثنان ان أي لقاء يمكن ان يجمع بين الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما وبين الرئيس الايراني المتخلي احمدي نجاد او بين كبار المسؤولين الامريكيين والايرانيين لاجراء مفاوضات مباشرة بشان العلاقات المقطوعة بين البلدين منذ ثلاثين عاما، امر ليس بالوشيك والارجح ان أية خطوة في هذا الاتجاه لن تكون غدا وستبقى مؤجلة الى حين.. والاسباب كثيرة ولا تخلو من حسابات معقدة من الجانبين، بحثا عن تفادي الوقوع في تقييم التنازلات وضمان تحقيق اكبر حد ممكن من المكاسب السياسية والامنية والاقتصادية.. كل ذلك طبعا دون ان ننسى الدور الاسرائيلي واحتمالات دخوله المبكر على خط الاتصالات الامريكيةالايرانية في حلقاتها الاولى من محاولات جس النبض وتبادل رسائل الغزل.. فقد لا تكون الصدفة وحدها التي شاءت ان تتزامن الرسالة التي اختار الرئيس الامريكي باراك اوباما ان يوجهها لتهنئة النظام والشعب الايراني في عيد النورس مع تلك التي ارسلها الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز بدوره لتهنة الشعب الايراني والتنويه بالحضارة الفارسية... والواقع انه اذا لم تكن رسالة اوباما تحمل في طياتها مفاجأة تذكر باعتبار انها لم تخرج عن اطار خطاب التدشين الذي القاه بعد تنصيبه على راس البيت الابيض والذي اعلن فيه استعداه للقطع مع سياسات سلفه والحوار مع الخصوم السابقين.. فان المفاجاة انها اقترنت بصدور رسالة مماثلة من الرئيس الاسرائيلي بكل ما يمكن ان تعنيه من اشارات متناقضة في مثل هذه المرحلة.. فليس سرا بالمرة ان ايران تعتبرالكيان الاسرائيلي عدوها الاول في المنطقة كما ان اسرائيل تعتبر بدورها ايران الخطر الاكبر الذي يمكن ان تواجهه. الملاحظ انه اذا كان بيريز اختار الا يشير الى النظام الايراني في رسالته، مقتصرا على مخاطبة الشعب الايراني فانه عمد في اشارة لا تخفى على مراقب الى بث رسالته تلك باللغة الفارسية تماما كما حرص اوباما على تذييل الشريط المسجل لرسالته باللغة الفارسية في اشارة الاستعداد لكسر الجليد السميك الذي ساد العلاقات اكثر من ربع قرن، هي عمر الثورة الايرانية وريثة حكم الشاه حليف الغرب طويلا.. ولعل الاهم من رسالة الرئيس الامريكي هي ردود الفعل التي اثارتها وستثيرها مستقبلا، وما يمكن ان تفرزه من تغييرات عملية في العلاقات بين واشنطنوطهران.. فهذه الرسالة التي تعد سابقة هي الاولى من نوعها من جانب البيت الابيض تاتي بعد اسبوع على القرارالامريكي تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران عاما اضافيا ولكن ايضا تاتي قبل ايام على المؤتمر الدولي الخاص بافغانستان بمشاركة طهران بما يعكس استمرار التردد الامريكي بين خيارات سابقة واخرى تبحث لها عن موقع في ادارة اوباما التي لم تتخل عن سياسة العصا والجزرة في خطابها ازاء ايران. ظاهريا لقد حمل خطاب اوباما وفق قاموس الديبلوماسية الكثير من العبارات التي من شانها ان تدعو الى التفاؤل لا سيما انه شدد على اعتماد لغة الحوار النزيه والاحترام المتبادل التي كانت غائبة عن قاموس سلفه الغارق في العداء وإهانة الآخرين وهي خطوة من شانها، وان كنت ستثير انتقادات المحافظين الجدد في الكونغرس فانها بالتاكيد ستحسب للرئيس الامريكي الجديد.. ولا شك ان أي تطور ايجابي قد يطرا على العلاقات بين الطرفين من شانه ان ينعكس على الكثير من الملفات العالقة في العراق كما في سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة.. كما ان أي تطور ايضا من شانه وهذا الاهم ان يساعد على اعادة ارساء قواعد وشروط ديبلوماسية الحواروالتفاوض بعيدا عن ديبلوماسية القوة التي لا يمكنها ان تبني لسلام دائم مهما كانت مكاسبها الآنية.. وسواء كانت رسالة اوباما ردا متاخرا على رسالة سابقة من الرئيس الايراني احمدي نجاد بعد نتائج الانتخابات الامريكية فان الارجح ان الرئيس اوباما لم يسقط من حساباته وهو يوجه رسالته الاولى الى الايرانيين ان ايران يبقى ذلك البلد الذي له حدود مشتركة مع كل من العراق وافغانستان حيث يواصل الامريكيون خوض اعسر اختبارين عسكريين لهم.. وانه ربما يكون من المهم في خضم الاستعداد للمعركة الانتخابية المرتقبة بين الاصلاحيين والمتشددين خلال الاشهر القادمة ان يكون لواشنطن محاور معتدل في طهران.. وفي المقابل فان الاكيد انه في الجانب الايراني ايضا من يدرك ان ايران لا يمكنها ان تظل الى ما لا نهاية بمعزل عن العالم وان واقعها الاقتصادي وتفاقم البطالة والفقر قد يحتم عليها اعادة مراجعة الكثير من خياراتها بما يمكن ان يعدل كفة الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على البرامج العسكرية ويساعد على استثمار الثروات الايرانية من اجل حياة افضل.. وفي كل ذلك تبقى الحقيقة الوحيدة الواضحة انه لا بديل عن الحوار والتفاوض بين واشنطنوطهران اما الوصول الى تلك النتيجة فسيحتاج الى المزيد من الايضاحات بشان الخطوط التي سيحددها اوباما ومدى استعداد الجانب الايراني للقبول بها للخروج من اطار محور الشر الذي كان الرئيس السابق جورج بوش حرص على بقاء ايران فيه...