قدلا تكون الصدفة وحدها شاءت ان يتزامن اعلان ايهود باراك وزير الحرب الاسرائيلي في سابقة هي الاولى من نوعها بان ايران لا تشكل خطرا على وجود الدولة العبرية مع اعلان البيت الابيض بدوره تعليق مشروع الدرع الصاروخي في اوروبا وهو المشروع الذي دخل بمقتضاه الرئيس الامريكي السابق جورج بوش اكثر من مرة في صدامات مباشرة مع نظيره بوتين انذاك رغم اصراره على ان نشر منظومة الدفاع الصاروخية في بولندا لا يستهدف روسيا وانما يهدف الى التصدي لايران.. بل الارجح ان اكثر من نقطة يمكن ان تربط بين الموقف الامريكي والاسرائيلي في واحدة من اعقد واخطرالمسائل الاستراتيجية التي تؤرق السياسيين والعسكريين من الجانبين . وفي كلا الحالتين يبقى المشروع النووي الايراني النقطة الاكثر حساسية في اهتمامات تل ابيب وواشنطن خاصة مع تواترالتقاريرالاستخبارية والاعلامية بشان استعدادات اسرائيلية وامريكية حثيثة تشمل مناورات سرية وخطط دفاعية لشن هجوم عسكري على ايران بل والاطرف من كل ذلك ان قرارواشنطن تعليق مشروع الدرع الصاروخي الاوروبي مرده ان البرنامج الصاروخي الايراني لم يتقدم كما كان يتوقع له وان الاولوية يجب ان تمنح لتطوير الدفاعات الصاروخية الاقليمية لاوروبا... واذا كان في ذلك انتصارسياسي ومعنوي لموسكو فانه بالتاكيد خطوة لا تخلو من حسابات دقيقة من جانب ادارة اوباما التي ستسعى للفوز بدعم روسيا من اجل فرض عقوبات اضافية على ايران لاجبارها على التخلي على برنامجها النووي وذلك قبل موعدين حاسمين سيجمعان الرئيس الامريكي بنظيره الروسي خلال اجتماعات قمة العشرين ومنها اجتماعت الاممالمتحدة الاسبوع القادم ... وسواء كانت تلك التقاريربالونات اختبار ومحاولات استباقية لاختبار الرد الايراني ودفع المسؤولين الايرانيين للكشف عن حقيقة الترسانة الايرانية او سواء كانت ايضا لتهيئة الراي العام الدولي لتجاوز مرحلة العقوبات على ايران فان الارجح ان في التوافق الامريكي الاسرائيلي وهو ليس بالتوافق الغريب او المفاجئ بين الحليفين يبقى محاولة استباقية لما يمكن ان تفرزه المحادثات المرتقبة بين مجموعة الخمسة زاد واحد وبين طهران بشان الملف الايراني ولعل الطرفان ياملان من وراء ذلك الى استمالة المسؤولين الايرانيين ودفعهم الى اعادة مراجعة مواقفهم بما يمكن ان يمهد لفتح قنوات للتفاوض بين واشنطنوطهران وفق منطق ديبلوماسية المصالح التي لا تعترف بمصطلح الاستحالة في قاموسها. والحقيقة ان تصريحات باراك من شانها ان تثير اكثر من نقطة استفهام لاحول توقيتها فحسب ولكن ايضا حول ما تضمنته من رسائل تهديد ضمنية او مباشرة قد لا تكون موجهة الى طهران وحدها .والامر قد لا يتعلق فقط بمحاولة تحويل انظار العالم عن تقرير غولدستون الذي وجه صفعة حادة لاسرائيل بسبب انتهاكاتها للقوانين الانسانية والدولية في الحرب على غزة ولكنه ايضا محاولة لاستباق اجتماعات الدورة السنوية للامم المتحدة وتكثيف الضغوط الدولية والعقوبات المفروضة على ايران.. واذا كانت هذه المرة الاولى التي يقر فيها باراك بان ايران لا تشكل تهديدا لوجود اسرائيل ليخرج بذلك عن سياق الاجماع الاسرائيلي وحتى الامريكي والاوروبي فانه كان حريصا في المقابل على تاكيد التفوق العسكري الاسرائيلي وهذا هو الجانب الاهم في تصريحات باراك التي ترقى الى درجة الاعتراف العلني من جانبه بحجم قدرات اسرائيل العسكرية والنووية وهو باقراره انه "لا يمكن لاي جهة كانت ان تهدد وجود اسرائيل" يعترف ضمنا بما يعرفه كل العالم وما تصر اسرائيل على نفيه وانكاره وهو حيازتها لقدرات نووية تجعل منها القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط. وبذلك فان تصريحات باراك التي قد تعكس في ظاهرها تغييرا في الموقف الاسرائيلي لا يمكن تحميلها اكثر مما تحتمل وهي بالتاكيد لا تعكس ليونة غير مسبوقة في الموقف الاسرائيلي من ايران ولاتؤشر الى احتمال خروج ايران قريبا من دائرة الاتهامات الاسرائيلية كما انها لا تنذر باستعدادات لدى الغرب بامكانية التوقف عن الاستشهاد بالتصريحات النارية للرئيس الايراني احمدي نجاد بسحق اسرائيل من الخارطة وهي التصريحات لتي وجد فيها الغرب كل الاسباب والدوافع لمحاكمة النوايا الايرانية ما خفي منها وما ظهر وما لن يقوله باراك ما اذا اسقطت تل ابيب وواشنطن الخيار العسكري من حساباتهما ام ان الامر سيبقى مؤجل في انتظار قرار بذلك....