تمهيد أمام الحملة الشرسة التي تتعرض إليها المحاماة وعديد المؤسسات الأخرى وأمام هتك أعراض بعض الناس من طرف برنامجي "عن حسن نية" لقناة حنبعل و"الحق معاك" لقناة السابعة جاء خطاب سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي في يوم احتفال تونس بالذكرى الثالثة والخميس لعيد
الاستقلال يوم 20/03/2009 مذكرا لعديد المبادئ الدستورية والقانونية التي تعتبر من أهم ركائز الدولة التونسية المعاصرة نذكر من أهمها قدسية علوية الدستور ووجوبية احترام القانون والمؤسسات . وبمناسبة انطلاق بث القناة التلفزية الجامعة "نسمة تي - في Nesma T.V " أكد سيادته على ضرورة التحلي بأخلاقيات مهنة الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية واحترام القانون وبالأخص لما جاء بمجلة الصحافة المنشورة والصادرة بتاريخ 28 أفريل 1975 واتجه عدم المس بحرمة الأشخاص وعدم هتك أعراضهم واحترام هيبة المؤسسات الإدارية والمهنية والاجتماعية والقضائية. 1) في هذا المجال بالذات وجب التذكير بأن الدستور التونسي الذي ستحتفل تونس عما قريب بخمسينيته في غرة جوان 2009 أسس لعديد الحقوق والحريات في فصوله من 5 إلى 12 نذكر من أهمها حرية التعبير، حرية التفكير، حرية المعتقد كما ضمن وأسس لحرية الصحافة وحرية تكوين الأحزاب في نطاق احترام قوانين البلاد كما جاء ذلك في الفصل 8 " حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات مضمونة وتمارس حسبما يضبطه القانون ". و قد جاء بيان السابع من نوفمبر ليدعم هذه الحريات ويصلح مسار بلادنا ويقوّم ما وقع تحريفه من نصوص قانونية واتجاهات سياسية . و في ما يخصنا اتجه القول من أن حرية الصحافة مثلها مثل كافة الحريات الأخرى والحقوق لا يكتب لها البقاء والترعرع والتدعيم إلا باحترام ناشديها والمتمسكين بها للمبادئ القانونية العامة التي تحكم البلاد. 2) إن من أهم هذه المبادئ احترام حرمة الأشخاص وعدم التعرض إلى هتك أعراضهم والتشهير بكبواتهم وعثراتهم خرقا لمقتضيات الفصلين 50 و51 من مجلة الصحافة والفصل 245 من المجلة الجنائية والذي ذكر صراحة، "يحصل القذف بكل ادعاء أو نسبة أمر لدى العموم فيه هتك شرف أو اعتبار شخص أو هيئة رسمية". إن عدم المس بهيبة المؤسسات سواء كانت هيئات إدارية أو مهنية أو قضائية يعد من أقدس الواجبات المحمولة على كل مواطن وعلى المجتمع المدني بأسره لأن في احترام حرمة المؤسسات احترام حرمة الجمهورية. وقد ذكر سيادة الرئيس بن علي في هذا الشأن بأن المادة الإعلامية الناجحة هي التي تستمد زادها من حياة المواطن ومن مشاغله اليومية بدون تشهير أو تجريح وباعتباره الضمير النابض لهذه الأمة والعارف بأدق تخميناتها ومشاغلها، أكد على أن الإلحاح على إبراز الأخطاء والتجاوزات وتعمد الإثارة والتشكيك والإساءة إلى الأشخاص والمؤسسات هي ممارسات لا تليق بالمجتمع التونسي وهي بعيدة كل البعد عن الحرية والديمقراطية وقد قوطع خطابه في هذا المضمار بالتصفيق الحار، عبر بها المجتمع التونسي بكل مكوناته عن الانخراط الكلي في هذا الاتجاه : ممارسة الحقوق والحريات بدون التعرض لحرمة الأشخاص وبدون المس بهيبة المؤسسات. 3) انطلاقا من هذه الضوابط القانونية والدستورية يتجه القول بأن برنامجي"عن حسن نية في "قناة حنبعل" و"الحق معاك " للقناة الوطنية السابعة قد خرقا مع الأسف في بعض المناسبات هذه المبادئ العامة وجانبا المبادئ الأساسية التي انبنى عليها ميثاق الصحفي من احترام أخلاقيات المهنة بعدم التعرض لحرمة الأشخاص وهيبة المؤسسات وقد كنت نبهت معدي هذين البرنامجين من خطورة التسرع في بسط المشاكل والتحامل على المؤسسات والتدخل في سير القضاء.(1) إن الحرية في أجمل معانيها مقدسة سواء كانت حرية التعبير أو حرية الصحافة ولتكون هذه الحريات حاملة لإضافات ايجابية وبناءة وجب على المنتفعين بها والممارسين لها في الميدان الصحفي وغيره الالتزام بالضوابط المذكورة آنفا لأن عدم احترام هذه الضوابط من البعض منا يعرض مجتمعنا - لا قدر الله - إلى الفوضى وعدم الاكتراث. وفي هذا الصدد أود أن أذكر الساهرين على برنامج "الحق معاك" بسابقة الصحفي السويدي الذي استباح حرمة الرسول صلى الله عليه والسلام بنشر صور مشينة ومسيئة لسيد الخلق كلهم وقد تمسك في ذلك بقدسية حرية الصحافة في بلاده ولم يدر والأكيد أنه يدري - أنه استباح حرمة الملايين من المسلمين جارحا إياهم في أعز مكسب للذات البشرية وهو المعتقد والإيمان. ولا يخفى على الجميع ما عاشه حينذاك العالم العربي والإسلامي قاطبة من مظاهرات ومسيرات وتنديد ذهبت بالبعض منهم إلى الحرق وحرق أنفسهم تعبيرا عن غضبهم وسخطهم لما تعرضوا إليه وما تعرض إليه الدين الإسلامي في أقدس رمز له وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. 4) وبناء على أنني أؤمن إيمان بالحديث الشريف "أجد لأخيك عذرا فإن لم تجد له عذرا فأجد له عذرا" وقد كررها الرسول ثلاث مرات فإني أحاول أن أفسر الإنزلاقات الخطيرة التي وقع فيها برنامج "الحق معاك" ليلة 13 مارس 2009 بدخول الغرباء عن ميدان الصحافة أمثال بعض الزملاء سامحهم الله لينسوا انتسابهم للمحاماة - تلك الأم الحنون التي ترعرعوا في أحضانها وتنكروا لها بين عشية وضحاها - متناسين المثال العربي أذكرهم به ما دمنا في باب التذكير "الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه" ومتجاهلين ذلك المثل العربي القائل" لا يجب على الشجرة أن تحجب الغاب " في هذا المضمار أذكرهم أيضا بما قال عنترة العبسي في بيت مشهور له: "وظلم ذوي القربى أشد مرارة من وقع الحسام المهند" 5) ختاما لهذا المقال أود أن أذكر البعض من أساؤوا للمحاماة كمؤسسة عريقة أن الصحافة التونسية قاطبة وبكامل أنواعها سواء كانت كتابية أو سمعية - بصرية متشبعة بالمبادئ التي ذكر بها سيادة رئيس الجمهورية في خطابه المذكور من احترام لعلوية القانون واحترام لحرمة الأشخاص وعدم التعرض والمس من هيبة المؤسسات ونتمنى أن يكون ما صدر عن برنامج "الحق معاك" لا يعدو أن يكون كبوة جواد وجب التشهير بها دفاعا عن التراث التاريخي والمكاسب الرائدة التي يتمتع بها الصحفيون والصحافة في بلادنا منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا مكنتها من تبؤ عن جدارة مركز السلطة الرابعة شأنها شأن الصحافة والصحفيين في كل البلدان المتقدمة في العالم واعترافا بالجميل وجب التذكير بهذه المناسبة بالمجهودات الجبارة التي قدمها رجالات تونسيون أفذاذ للصحافة التونسية منهم من قضى نحبه أذكرهم وسيذكرهم التاريخ لأنهم أقاموا صرح الصحافة التونسية عاليا بكل رصانة وفي نطاق احترام القانون واحترام حرمة الأشخاص والمؤسسات. قال الله تعالى "وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". صدق الله العظيم ------------ 1-انظر مقالنا المنشور في الصباح ليوم 08/02/2009 "بكل حسن نية إننا في دولة المؤسسات". 2- انظر مقالنا المنشور في الصريح ليوم 14/03/2009 "من حسن نية إلى سوئها" المغالطات وهتك الأعراض.