من بين المناسبات الوطنية تبقى ذكرى أحداث 9 أفريل 1938 ذات دلالات واضحة في تاريخ تونس حيث أن سقوط العديد من أبنائها شهداء من أجل التخلص من الاستعمار ونيل الاستقلال حدد ثمن التحرر وأضفى على الاستقلال قيمة ثابثة لا يمكن إلا السعي دوما وعلى مر الأجيال للمحافظة عليها وصونها بما يدخل في عداد الواجب اليومي.. واجب المواطنة في شتى مظاهره. وإذا كنا نعترف للشهداء ولجميع الوطنيين الذين ناضلوا من أجل الحفاظ على هوية البلاد وتخليصها من الاستعمار وتمكين الشعب من سيادة قلما تمتع بها أو مارسها في حقبات طويلة من تاريخ تونس فإننا اليوم نبقى مدينين لجميع هؤلاء بما قدموه من تضحيات ومطالبين بمواصلة صون عزة هذا الوطن وكرامته لأن كرامة الوطن من كرامة الفرد ولا كرامة لوطن يفتقر أبناؤه للكرامة. إن سياق الكرامة واضح لا لبس فيه عندما يعمد البعض إلى الاستنجاد بالأجنبي والاستقواء به على بلادهم،، فبين تونسيين لم يبخلوا بتقديم حياتهم ثمنا للاستقلال وبين البعض الذين يدوسون على أرواح هؤلاء بتعلات لا تجد لها مبررا تبرز الهوة بين صون الكرامة وإهدارها.. بين النخوة والاعتزاز بالانتماء للوطن والتجرد من الحس الوطني، وبعبارة واحدة قد لا تختلف الصورة بين بعض من باع ضميره للسلطات الاستعمارية ومن يجد الشجاعة في التعرض للشأن التونسي خارج أرض تونس متظلما أو متشكيا وحتى منتقدا. ومن المفارقات أنه زمن الاستعمار تعددت الرؤى صلب الحركة الوطنية واختلفت الاجتهادات بينما يصدر البعض الاختلافات في الرأي إلى الخارج منتظرا رجع الصدى والحال أن التاريخ أثبت عبر دروسه وعبره أن مصلحة الوطن لا يقدرها إلا أبناؤه ولن يكون الأجنبي بمصالحه وخلفياته وأفكاره المسبقة "أحن" على البلاد من أبنائها. وتقديرا لما قدمه الشهداء وما أبداه المناضلون من تفان من أجل تونس لا بد من مواصلة المسيرة.. فعندما وهنت مؤسسات الدولة في منتصف الثمانينات جاء التحول لينقذ البلاد ويحافظ على استقلالها وليقيها شر الفتنة الداخلية ثم لتدخل تونس عهدا جديدا للاصلاح والتطوير والتقدم في شتى المجالات واعتماد مبدإ المشاركة في الحياة العامة تجذيرا للديموقراطية والتعددية وإعادة الاعتبار للحريات. لقد أعطى شهداء تونس خير مثال لحب البلاد والتفاني في خدمتها والمساهمة في صون استقلالها.. إنها بالتأكيد أمانة يتعين البقاء على عهدها ولا شك أن تونس تواصل مسيرتها من خلال الخيارات والإرادة السياسية بخطى واثقة ونظرة مستقبلية من أجل الأفضل والأحسن امتدادا لما كان يحلم به الشهداء وتجسيما لطموحات التونسيين.