في محاولة منه لامتصاص الغضب الشعبي وتفادي الاسوا عندما يحين موعد المساءلة عبر صناديق الاقتراع لم يجد رئيس الوزراء البريطاني بدا من استباق الاحداث وتوجيه اعتذاراته العلنية للبريطانيين بعد ان واصلت مختلف وسائل الاعلام البريطانية ولليوم الثالث على التوالي نشر المزيد من التفاصيل الدقيقة والمحرجة بشان اطوار الفضيحة المتعلقة بتورط اعضاء في مجلس العموم البريطاني بينهم وزراء في قضايا فساد مالي واستغلال لبنود قانون ما يعرف "باستعادة النفقات" الذي تحول الى مورد اضافي لعدد لا يستهان به من المسؤولين البريطانيين الذين لم يترددوا في تضخيم تلك النفقات او في اختلاق نفقات خاصة لعائلاتهم للحصول على تعويضات خيالية والاستفادة من خدمات الحكومة. وقد وجد رئيس الوزراء البريطاني نفسه وهو الذي طالما وصف بالنزاهة على قائمة المورطين في مواجهة ازمة ثقة حادة سرعان ما انعكست في مختلف استطلاعات الراي لتكشفت عن تراجع حاد في شعبية الحزبين الكبيرين للعماليين والمحافظين لفائدة الاحزاب الصغرى... ولا شك ان الفضيحة التي لا تزال في بدايتها تبقى مرشحة لاتخاذ ابعاد اخرى عندما يحين موعد نشر المزيد من التفاصيل عن نفقات النواب خلال شهرين وذلك بموجب قانون حرية المعلومات الذي يمنح الناخب البريطاني حق التدقيق في الارباح التي تحققت لفائدة النواب على كاهلهم بكل ما يمكن ان يعنيه ذلك من ملاحقات وتتبعات... ولعل ما يمكن ان يعكس حجم الغضب الشعبي ان صحيفة "الغارديان" لم تتردد في الاشارة الى مجلس العموم البريطاني "ببيت العار" فيما قالت صحف اخرى انه "الفساد بعينه" في نفس الوقت الذي واصلت مصادر اخرى التهكم على النواب الذين انتخبوا لحماية مصالح المواطنيين فلم يترددوا في استغلال جهود دافعي الضرائب... وفي الوقت الذي تستمر فيه التحقيقات الامنية في الساحة البريطانية لاكتشاف الخيط الذي يقف وراء تسريب كل تلك المعلومات ومنع تسريب المزيد تكشف ازمة الفساد الراهنة في مجلس العموم البريطاني ما يمكن للاعلام النزيه ان يضطلع به... وبالعودة الى جذور الازمة التي كانت صحيفة "دايلي تلغراف" وراء تفجيرها اول مرة بعد نشرها صورا لفواتير نفقات اعضاء البرلمان وهو ما اعتبر في حينه تبديدا لاموال دافعي الضرائب واستغلالا لبنود ما يعرف بنظام استعادة النفقات المخصص لتعويض المسؤولين عن نفقات تتعلق بمهامهم الحكومية قبل ان تمتد تلك النفقات لتتحول الى عبء اثقل كاهل دافعي الضرائب واوقع حكومة بروان في موقع لا يخلو من الاحراج لا سيما امام ارتفاع توجيه اصابع الاتهام الى النواب البريطانيين بالفساد وتبديد الاموال العامة في الوقت الذي تواجه فيه البلاد ازمة اقتصادية هي الاسوا منذ ثلاثينات القرن الماضي. وقد كشفت الصحف البريطانية بمقتضى ذلك لجوء النواب المعنيين الى استغلال بنود القانون لاقتناء السجاد الفاخر وتنظيم الرحلات الشخصية او اقتناء مسكن ثان او حتى تجميل الحدائق الخاصة وادخال اصلاحات على مقراتهم السكنية بما يتعارض مع الاهداف التي انتخبوا لاجلها... لقد رفضت الحكومة البريطانية حتى الان الاعتذار للشعب العراقي عن انجرارها للحرب غير المشروعة في العراق ولكنها لم تتردد في المقابل في الاعتذار للبريطانيين بعد الكشف عن هذه الفضيحة لانها وبكل بساطة لا يمكنها ان تتجاهل الاعلام البريطاني ولايمكنها ان تستهين بصوات الناخب البريطاني عندما يتجه الى صناديق الاقتراع والاختيار بين مكافأة الحكومة التي انتخبها او معاقبتها وعدم منحها صوته وبالتالي سحب الثقة التي كان قرر من قبل ان يمنحها لها ولعل ذلك ما يجعل من اعتذارات رئيس الوزراء البريطاني نيابة عن كل الاحزاب السياسية أمرا غريبا...