سؤال أخذ الناس في تداوله وكأن الكتاب شيء قار. ان الكتاب الحالي ككل حاو للمعلومة قابل للتجديد والتطور مثله مثل الوسائل الاخرى السابقة من طين وخشب وقرطاس واسطوانات واشرطة فضية واشرطة ممغنطة. لكن كل الحاويات بقيت في خدمة توثيق المعلومة والتواصل عبرها. هذه هي مهمة الحاوي. وها هو جاء دور الكتاب الحالي الان ليتطور هو الاخر بما وصل له الانسان من وسائل حديثة تمنحه نجاعة اكبر في معالجة المعلومة وتوثيقها وسرعة التواصل في نقلها. ان الانسان بلغ من التطور ما جعله قادرا على تطويع المعلومة وصياغتها بطرق ارقى من التي كانت تمثلها. فالرسم لصعوبة تطويعه للتوثيق والتواصل في الزمن الغابر ارتقى لتمثيل صوتي idéogramme ثم بعد ذلك ارتقى الى شفرة سمعية بصرية وهي الابجدية التي بدورها طوعت في تنميط لغوي صار هو الاخر مجالا ذا صعوبات جمة في التعامل لكنه يمكّن من تبليغ المعلومة والتواصل عبرها. وعلى صعيد الادوات الاخرى التي لها مساس بالتوثيق وتثبيت الشفرة الابجدية فقد تحول القلم على الريشة والحفر الى الجرة الجبرية الى ان نشأت الجرة عبر الضغط وهي الطباعة وعبر كل التغييرات والتطورات نشأت صناعات عدة. وفي الماضي القريب بقي الكتاب في شكله الحالي ولكن نشأت صيغة زاحمت فيها الرسوم الكتاب الخطية وهو ما يسمى les livres illustrés. حرّكت الصور وركبت لها الاصوات لكن الخيط في كل هذا هو توثيق المعلومات والتواصل عبرها واليوم قد حلت الارقام التي طوعت بنقلها الى طاقة كهر مغنطيسية محل توثيق الابجدية بالمكونات الكيميائية الشيء الذي اضفى على انتشار المعلومة وتوثيقها لمسة من السحر حيث صار التوثيق صورا وكلاما واقعيا لا يقدر المخطوط بلوغ مستواه في ترجمة المعلومة وتداولها والممارسات في السلاسة بلغت ارقى المستويات وذلك عبر خوارزميات جعلت الالة قادرة على تعويض كل حركات الانسان في تناول الكتاب الحالي من توقفات واعادات اي لم يعد لمتناول الحاوي القديم شعور بأي ميزة في نقل المعلومة وتوثيقها وتقديمها وتناولها. فلو قارنا التوثيق الخطي بالتوثيق الرقمي لادركنا ان الكتاب في صيغته الرقمية هو انجع وارقى. فالتوثيق الخطي في ممارسة شفرة جامدة تتطلب من العين حركة جد مرهقة وارتباط سمعي للحرف يتطلب معرفة وتخيل ان لم نتمكن من اثارته لسلط على المخطوط جفاء الابهام وكل هذه العوامل تتسبب للممارس في هدر لقوة تركيزه وطاقته مما قد يثنيه على الاطلاع والمعرفة. اما التوثيق الرقمي فقد جعل بدل الشفرة صور متحركة تعبر في تداولها عن معان تضاف اليها الاصوات للترسيخ والتبيان. فالقارئ لهذا التوثيق يمارس اكثر معلومات في اقل مدة مع تجنب الارهاق الذي يسببه التوثيق القديم. والمثل الصيني «صورة تعبر احسن من الف كلمة» يطرح معادلة تدل على حجم تداول المعلومات بضم الصورة الى الصوت فالقلم قد وضع في المتاحف في فرنسا وها هي الة التصوير الرقمية تأخذ مكانة خاصة بعد مزجها في الهاتف الجوال الذي هو الاخر بما يشمله من ميزات قد ازاح المحفظة والكراس والرسالة والقلم والشفرة الابجدية ولم يعد للكتاب في شكله الحالي من ممارس الا الذي يجهل التعامل مع الالات الحديثة او من كانت امكانياته المادية جد ضعيفة. والان نحن امام واقع يفرض علينا حسن استعمال هذه الادوات العصرية اي لا نتعامل معها كسابقاتها كالراديو والة التسجيل وعدسة التصوير والكاميرا.. فتأخذ مكان الترفيه والاستعمالات الثانوية من مناسبات الافراح او الذكريات رغم انها هي الاخرى كانت وسائل معالجة للمعلومات وطريقة توثيق وسوء نظرتنا لهذه الادوات يجعلنا الان غير متحمسين للتعامل مع هذا الوضع الجديد في ممارسة التوثيق للمعلومات والتواصل عبرها. فالكتاب باق ولكن اسمه تغير لما اضيفت عليه من تحسينات الاول هو الدفتر الالكتروني وهو في carte SD, DVD, MP4. ان الغرب بلغ اسمى المراتب في حضارتنا لاعتماده التوثيق للمعلومات والتواصل عبر حسن استعمال القلم والقرطاس ميدان اخذوه عن العرب في القرن الثالث عشر وها هم قد طوّروا طرق التوثيق والتواصل. فهل نحن العرب سنعمل على استعمال هذه التجديدات والنبوغ فيها مثلهم؟ ان التطور مراس اما المعلومة هي الاساس.