طلع علينا السيد برهان بسيس في ركنه "البعد الاخر" ليوم 20 ماي الماضي بمقال بعنوان "ضد التباكي... من أجل العمل" انطوى على العديد من المغالطات، فضلا عن تحامله، من أعلى الصفحة إلى أسفلها، على المعارضة الديمقراطية عموما، وعلى شخصي كأمين أول لحركة التجديد ومرشح "المبادرة الوطنية" إلى الانتخابات الرئاسية القادمة خصوصا.. ويمهد السيد برهان بسيس لمغالطاته بالتأكيد على أن نهج الاصلاح الديمقراطي قد "قطع بشكل نهائي مع مرحلة المرشّح الواحد سليلة عهد الحزب الواحد المهيْمن"، ولكنه سرعان ما يستدرك مؤكدا أن "توازنات المشهد السياسي السائد" تجعل تعدد الترشح المنصوص عليه في القانون لا يعدو أن يكون مجرد إمكانية نظرية لا ترتقي إلى المستوى الذي تصبح فيه "المنافسة الانتخابية رهانا حقيقيا تستوي فيه الحظوظ أكثر بقليل من مجرد التمرين البيداغوجي". وبعبارة أخرى فإن ما يستفاد من هذا التمهيد هو أن تعدد الترشح للرئاسية (الذي لم يتم مجرد إقراره كمبدإ إلا بعد 43 سنة من الاستقلال، منها 12 سنة بعد 7 نوفمبر 1987) لم يجد بعد، وقد مضت من عمره عشر سنوات، طريقه إلى التجسيد في الواقع... ولا شيء في الافق يدل على أن البلاد ستهتدي يوما إلى "بوابة المرور نحو صورة تنافس انتخابي حقيقي" نظرا إلى قوة الحزب الحاكم مقارنة بما عليه أحزاب المعارضة من ضعف... بغض النظر على أن قوة الاحزاب لا يمكن أن تقاس في غياب انتخابات تتوفر فيها ظروف التنافس، فإن اعتبار التكافؤ أو التقارب في موازين القوى بين الحزب الحاكم والمعارضة شرطا لوجود تلك الظروف يترتب عنه الحكم على الحياة السياسية بالجمود الابدي. وما دام هذا الانخرام في موازين القوى هو العامل الوحيد الذي يفسر بل يبرر في نظر صاحب المقال عدم "توفر شروط المنافسة الانتخابية" في واقع تونس اليوم، فإن هذا الواقع المتسم بهيمنة حزب واحد على الدولة والمجتمع يبدو محكوما عليه بإعادة إنتاج نفسه إلى ما لا نهاية له طبقا لارادة بعض غلاة الشد إلى الوراء، كما أن بعض الاقلام المنخرطة في هذا المنطق يبدو لها من "الطبيعي" أن تمنح لنفسها حرية التحامل كيفما شاءت على كل مسؤول سياسي معارض يقرر أخذ إمكانية الترشح التي يخولها له القانون مأخذ الجد ويصر على ممارستها كاملة وبدون مركبات. لذلك يحاول السيد برهان بسيس النيل من مصداقيتي وينسب إلي تهكما صفات وأقوالا من صنع خياله وهو غير واع بتناقضها، فيزعم من ناحية أنني أسعى إلى "إشغال الساحة ببكائيات التظلم" (؟؟) ثم يحولني في الفقرة الموالية من حال البكاء والتمسكن إلى وضع من يدعي امتلاك قوة القائد المظفر الذي "يرتجف منه النظام"(!!)... لست أدري أي الصورتين الكاريكاتوريتين يريد كاتب المقال من القارئ أن يصدقها، لكن الواضح أن من ينسب إلي هلوسات فولكلورية مختلقة يسعى إلى التهرب من الخوض في نقاش جدي حول لب الموضوع.... فهل يرى هذا الخبير المقتدر أن مصداقية الانتخابات ممكنة بدون ضمان الحياد في الاشراف على سيرها، وبدون توفير ظروف منافسة حقيقية يحترم فيها مبدإ الندية والمساواة في الحقوق بين المترشحين دون تمييز لاي منهم على غيره؟؟ وكيف يفسر احتكار جل وسائل الاعلام من طرف واحد، في الوقت الذي يستمر فيه إقصاء «حركة التجديد» من الإذاعة والتلفزة؟ أليس من يحاول تبرير مثل هذا الوضع كمن يحاول إقناعنا بإمكانية تنظيم مباريات الكأس في كرة القدم في ظروف تنعدم فيها أدنى شروط التنافس الحقيقي بين إحدى "الجمعيات الكبرى" وأي من الجمعيات "الصغيرة"، بدعوى أن"ضعفها" يحتم عليها قبول اللعب بدون حارس مرمى وبدون قلب هجوم والاذعان لمنع جمهورها من دخول الملعب والاعتراف بأحقية الجمعية "القوية" حتى في تعيين الحكم من بين مسيريها فقط... إلى غير ذلك من الاشتراطات التعجيزية؟؟!!! لقد كان على السيد برهان بسيس أن يجيب بهدوء على مثل هذه التساؤلات البسيطة ويعتمد الحد الادنى من الموضوعية والاسلوب المتحضر وينأى بنفسه عن استسهال التحامل وتشويه المواقف واختلاق التصريحات... إن التجني على الرأي المخالف والاصطفاف وراء عقلية الحزب الواحد لم يساهما ولن يساهما في شيء في تطوير الحياة السياسية ولا في الرفع من مستوى الاعلام... وحده احترام التعددية وقواعد الحوار الديمقراطي قادر على الارتقاء بالمشهد السياسي وإعطاء المصداقية للصحافة والصحفيين!!