تعدّد الترشّحات للانتخابات الرئاسيّة القادمة في تونس أصبح ثابتا يقيم الدليل على استمرارية نهج الإصلاح الديمقراطي الذي قطع بشكل نهائي مع مرحلة المرشّح الواحد سليلة عهد الحزب الواحد المهيْمن. ولئن كانت القوانين والتشريعات قد هيّأت الأرضية لهذا التوجّه لتجعله واقعا مجسّدا فإنّ طبيعة المشهد السياسي السائد وتوازناته القائمة لازالت تبحث عن آليات تجدّدها في اتجاه جعل المنافسة الانتخابية رهانا حقيقيّا تستوي فيه الحظوظ أكثر بقليل من مجرّد التمرين البيداغوجي على أهميّته. لا حزب حاكم قويّ دون معارضة قويّة، حين عبّر رئيس الدولة عن هذه القناعة إنّما كان ينطق بالمعادلة التي تجسّد آلية التجديد المطلوب، بوّابة المرور نحو صورة تنافس انتخابي حقيقي خارج شعارات المزايدة والهروب إلى الأمام بالقفز على مشكلات العطالة الحقيقيّة التي تحول دون توفّر شروط المنافسة الانتخابية واقعيّا خاصّة في ظلّ اختلال توازن المعادلة المذكورة بوجود حزب حاكم قويّ مقابل غياب معارضة قويّة. حان الوقت أن تجلس بعض المعارضات إلى ذاتها لتفتح حساب النّقد الذاتيّ عوض الاقتصار على اختصاص الشكوى والتظلّم واستسهال دور الضحيّة وتوهّم دراما الشهيد. للأسف دخل مرشّح حركة التجديد السيد أحمد إبراهيم بقوّة هذه الدوّامة المضنية من المسارات الهامشيّة ليشغل الساحة ببكائيات التظلّم عوض أفكار البدائل مطلقا منذ بداية إعلان ترشّحه القصّة الدراميّة ذاتها التي يتقدّم بها إلى الرأي العام شهيدا قبل أن تبدأ المعركة أصلا!!! يقول السيد إبراهيم أنّ السلطة ارتبكت وثارت ثائرتها عندما أعلن أمام «حشد» مناصريه أنّه سينافس مرشّح الحزب الحاكم بشكل ندّي. لا أعرف إن كان مرشّح التجديد جديّا في تحليله هذا أم أنّه يتخيّل في ذهنه واقعا غير الماثل أمامنا قد يكون غائبا عنّا فيه حقيقة قُوّة تيّار التجديد وإشعاعه وجماهيريته الكاسحة وشعبيته الهادرة وحماس أنصاره المتوثّبين من شمال البلاد إلى جنوبها في انتظار إشارة القائد ساعة «الصفر الانتخابي» للزحف على السلطة!! نظام في حالة أزمة ووهن و"تجديد" تموج راياته الحمراء المظفّرة عاليا وهي تقود جماهير العمّال والفلاحين نحو نصرها المحتوم عشيّة أزمة ثوريّة عاصفة في تونس، صورة وحيدة كهذه قد تجعلنا نهضم تحليل السيد إبراهيم الذي لم يكفّ مُنذ إعلان ترشّحه للرئاسيات عن وصف نفسه بأنه المرشّح الجديّ الذي تحاصره السلطة ويرتجف منه النظام خاصة حين تعلو صورته جدران الشارع العمومي فترتعد الدولة من التقاء الجماهير بصورة القائد!!! يعرف الجميع أنّ للحملة الانتخابيّة أصولا وضوابط تنظّمها قوانين البلاد لا مجال أن يُخلط فيها بين الحضور الطبيعي لنشاط رئيس الدولة بصفته تلك في وسائل الإعلام وبين الحقّ في التقدّم إلى الإعلام العمومي بصفة المترشّح إلى السباق الرئاسي لعرض البرنامج الانتخابي وتفاصيله وهو أمر ينظّمه القانون الانتخابي ويضع له ضوابط معمولا بها في كل بلدان العالم رغم أنّه لا أحد يمنع السيد إبراهيم الذي يدير صحيفة حزبه من أنّ يخاطب التونسيين عَبْر صحيفته إن كانت له ثقة في إشعاعها وجماهيريّتها وكذلك عَبر منابر أصدقائه وأنصاره من مختلف الأطياف والاتجاهات التي يلتقي معها إذا ما كانوا فعليا مقتنعين به كمرشّح جديّ يجسّد البديل!!! أعتقد أنّ رهان البناء الديمقراطي المطلوب بما فيه الطابق الانتخابي يحتاج إلى إرادات فعل حقيقي تتجاوز هامشيات التظلّم لتلتفت إلى التحديّات الحقيقيّة التي تستطيع وحدها تعديل موازين القوى بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، تحديات تهمّ ضرورة أن تهتمّ أحزاب «البديل الديمقراطي» ببناء نفسها وتوسيع قاعدة استقطابها بصياغة خطاب قادر على الإشعاع والتواصل مع المجتمع وأن تعطي هذه الأحزاب قبل غيرها الدرس في معنى احترام الديمقراطية والاختلاف والتعدّد وإدارتها بشكل مدني حضاريّ يصنع المراكمة الديمقراطية الضروريّة داخل هذه الأحزاب لا أن يجعل من كلّ اختلاف بوّابة للانسحابات والتصفيات والطّرد لتكون الصورة هامشيّة بشكل مضاعف لأحزاب لم تنجح في المحافظة على الدائرة الأولى لمناضليها فما بالك بقدرتها على استقطاب أجيال جديدة. بكل ودّ وهدوء أسأل السيد أحمد إبراهيم: أين هو السيد محمد علي الحلواني مرشّح «المبادرة الديمقراطيّة» في الرئاسيّات الفارطة، المرشّح الذي تقدّم بدوره إلى الساحة كحامل أمل لبناء القطب الديمقراطي التقدميّ ليتمّ بعد ذلك إخراجه من الباب الصغير لحركته صحبة فريق واسع من المناضلين الذين تمّ إقصاؤهم من حركة التجديد بعد مؤتمرها الأخير. تعقد المؤتمرات عادة للتجميع ولمزيد الاستقطاب فإذا بها مع أحزاب «البديل الديمقراطي» مُناسبات للتصفية والإقصاء والطّرد والانسحاب، هل بهذه الصورة نستطيع تغيير التوازنات القائمة أم هي طريق سالك لتأبيدها. لم يغيّر التباكي شيئا في تاريخ الشعوب.. وحده العمل قادر على التغيير!!!