امرأة وجدت نفسها محكوم عليها بالسجن منذ 10 سنوات... وأخرى أبطلت الحكم فقُبض عليها يوم الإعلان عن نتيجة باكالوريا ابنها وزارة العدل: الإعلامية هي الحل تونس - الأسبوعي: أبرياء مطلوبون للسجن... عنوان قد يجده البعض مثيرا وقد يراه البعض الآخر مجانبا للصواب، لكنه الحقيقة التي لا تخفى حتى على سلط الإشراف فمناشير وملحوظات التفتيش وتعقيدات الإجراءات القضائية وخاصة تلك المتعلقة بتبليغ الإستدعاءات قد تجعل أيّ فرد منّا مهما كان موقعه أو كانت صفته عرضة عند ما تتم مراقبة هويّته على الحدود أو على الطريق إلى الإيقاف التحفظي إلى حين عرضه على القضاء أو إحالته على باحث البداية الذي أصدر في شأنه ملحوظة تفتيش... هذا الوضع المؤسف في نظر الرأي العام، المؤلم في نظر من يعيشه خصوصا إذا لم تكن له سوابق قضائية ولم يدخل أروقة المحاكم يجعل الشعور بالأمن القانوني يهتز لدى عموم الناس حتى وإن كان من يتعرض لمثل هذه الإشكاليات قلّة ما انفك عددها يرتفع بسبب كثافة الخطايا المرورية التي لا تجد طريقها للتبليغ في عديد المرّات... فهل من حلول لوضع حدّ لما يحصل؟ «الأسبوعي» بحثت في الأمر، اطلعت على ملفات غريبة وسألت الجهات الرسمية وفيما يلي الحصيلة. حكم انقضى... لكن «ميم» امرأة متزوجة وأم لأبناء غادرت العاصمة خلال أحد أيام السنة الجارية رفقة زوجها في اتجاه مدينة بن قردان للتسوّق، ولأنّ زوجها لا يتقن السياقة تولت بنفسها تلك المهمّة.. وعلى مستوى مدينة قابس أوقفتها دورية أمنية للتثبت من الوثائق حيث وفي إطار العمل الروتيني لرجال الأمن الذي يقتضي بالتقصي عبر الكمبيوتر المركزي في هويّات الأفراد المراقبين اتضح أن «ميم» مطلوبة للعدالة وصادر ضدها حكم بالسجن. صدمت «ميم» لهول الخبر وهي التي لم تمثل أمام القضاء في حياتها لكن ما جاء به الكمبيوتر كان واضحا ولا غبار عليه فميم مطلوبة للعدالة وصادر ضدها حكم بالسجن لمدة ثلاثة اشهر، لذلك تقرّر ايقافها فورا وظلّ زوجها في حير ة من امره.. ماذا تراه فاعلا وهو الذّي لا يملك رخصة قيادة ويبعد عن العاصمة مئات الكيلومترات.. لم يكن امامه من حل غير غلق أبواب سيارته وامتطاء سيارة أجرة في اتجاه العاصمة ليتولّى هناك تكليف محام للدّفاع عنها وهو ما تم فعلا ليتّضح أن ميم صدر في شأنها حكم غيابي سنة 1999 بالسجن مدة ثلاثة أشهر في قضية اعتداء بالعنف وظلت حرة طليقة طيلة عشر سنوات لتقع بعد ذلك في قبضة الأمن بسبب تواصل صدور منشور التفتيش ضدها رغم أن القانون واضح في قضايا الجنح التي تسقط بعد مرور خمس سنوات ما لم يصدر قرار بالتمديد وهو ما لم يتم في قضية الحال. المهم أن ميم الى جانب كونها كانت ضحية صدمة نفسية خطيرة تعلقت تبعاتها بأفراد عائلتها كذلك فإنها كلّفت الدولة مصاريف كانت في غنى عنها إذ تم تخصيص ثلاث سيارات إدارية لنقلها من قابس إلى صفاقس ثم من صفاقس الى سوسة ثم من سوسة الى تونس وفي كل مرة يتم تكليف عون امن لقيادة السيارة وآخر للمرافقة لتعود السيارة من حدود الولاية. معاناة «أبرياء» «حاء» امرأة متزوجة ولها أبناء، أحدهم كان ينتظر في ذلك اليوم صدور نتيجة الباكالوريا بالعاصمة، عندما تم إيقاف أمّه في مدينة القيروان لصدور حكم غيابي ضدها بالسجن بتهمة التفريط في معقول... كانت المسكينة في زيارة عاجلة لعاصمة الأغالبة ويتحتّم عليها العودة في التوّ وكان الزمن نهاية الأسبوع عندما أوقفتها دورية أمنية في إطار العمل الروتيني لمراقبة وسائل النقل العمومي على الطرقات... الغريب في الأمر أن «حاء» كانت قد اعترضت على الحكم فكان أن أنزل العقاب إلى حدود خطية مالية بقيمة 100 دينار سددتها منذ مدة... محاميها اضطر لقطع عطلته والالتحاق بمكتبه لجلب الوثاق اللازمة والاتصال بوكيل الجمهورية بالجهة في مسعى لتمكين المرأة من الالتحاق بالعاصمة لمؤازرة ابنها ساعة الإعلان عن النتيجة التي شارفت على الحلول ولولا مرونة التعامل وقبول الوثائق بالفاكس لظلت المسكينة رهن الايقاف الى مطلع الأسبوع الذي يلي. أما «فاء» فبلغه أنه محل تفتيش للمشاركة في معركة والاعتداء بالعنف الشديد الذي انتهى إلى إصدار حكم غيابي بالسجن ضدّه، فما كان منه إلا تكليف محام للاعتراض على الحكم وقد حضر الجلسة الاستئنافية المنعقدة في أحد أيام السبت التي قضت بالحكم بعدم سماع الدعوى فخرج من القاعة فرحا مسرورا لبراءته وما إن غادر الباب الخارجي للمحكمة حتى اعترضته دورية أمنية للتثبت من هويته فاتضح أنه صادر في شأنه ملحوظة تفتيش فتمّ الاحتفاظ به وتسليمه لمركز الشرطة مرجع النظر والحال أن المحكمة التي قضت ببراءته لا تزال منتصبة... المسكين أمضى نهاية الأسبوع موقوفا إلى حين تجهيز الحكم يوم الاثنين الموالي وتسليمه إلى وكيل الجمهورية ليأذن بإطلاق سراحه. لماذا هذه الإخلالات؟ يقول الأستاذ محمد بن صميدة المحامي معلّقا على ما سبق أن العديد من الناس الذين تصدر ضدهم أحكام غيابية ويبلغهم الخبر يقومون بالاعتراض من الناحية الشكلية فينحلّ الحكم الغيابي وتقع المقاضاة من جديد في محاكمة يحضرونها وقد يصدر فيها الحكم بالبراءة أو بعقوبة مؤجلة أو بخطية غير أنه ومن الناحية العملية وفي عدّة حالات تتواصل أعمال التنفيذ للحكم الغيابي رغم انحلاله باعتراض المتهم وقبول اعتراضه شكلا وهذا يعود لأنه عمليا يجب استرجاع مضمون الحكم الغيابي بمجرد حضور المتهم بالجلسة حتى تتوقف أعمال التنفيذ وتكفّ الضابطة العدلية عن التفتيش عن المعني بالأمر. ويرى الأستاذ بن صميدة أن النيابة العمومية هيكل لا يتجزّأ لذلك فالمطلوب في قضية «ميم» كمثال أن تبادر النيابة العمومية بقابس بالاتصال بالنيابة العمومية بالعاصمة للتثبت في ملف المعنية بالامر حتى يتيسّر اتخاذ القرار القانوني الصائب بالإعتماد على وسائل الإتصال التقليدية كالهاتف أو البرقية... ويضيف محدثنا أنه عادة ما يطالب المتقاضي باستلام كف التفتيش من المحكمة ليتولى تقديمه الى الضابطة العدلية حتى يقع التشطيب عن اسمه من قائمة المفتش عنهم والحال أن هذه الأعمال الإدارية يمكن تجاوزها بالتنسيق بين مصالح العدلية والداخلية بشكل أفضل. حافظ الغريبي وزارة العدل: الإعلامية هي الحل القادم سينهي مثل هذه الإخلالات... لكن متى؟ حول ما ورد أفادتنا جهات مسؤولة بوزارة العدل وحقوق الإنسان أن العمل جار على مستوى وطني لايجاد حلول جذرية لهاته المسائل من خلال إرساء منظومة إعلامية متطوّرة يجري حاليا تركيزها للربط بين مصالح السجل العدلي والمحاكم ووصفت هذه المصادر أن ما يتم الإعداد له بالبرنامج الذكيّ الأول من نوعه على مستوى وطني من حيث ما سيتم اعتماده من تقنيات متطورة أوكل أمرها للمركز الوطني للإعلامية، ويأتي ما تقرر بعد أن تم تكوين لجنة على مستوى الوزارة الأولى تولت تشخيص واقع المنظومات الإعلامية لمختلف الوزارات المعنية بالمسألة وانتهى الامر الى تكليف المركز الوطني للاعلامية رسميا بانجاز هذه المعلومة الذي ذلّل كل الصعوبات التقنية بما يعني أن الإعداد المادي يسير على الدرب السليم... لكن متى ستكون المنظومة جاهزة للاستغلال وكيف؟ حول هذا السؤال لم يرد مصدرنا الإفصاح بأي معلومة مكتفيا بالقول أن الأمر لن يطول أكثر مما طال... غير أن «الأسبوعي» علمت من جهات أخرى أن دخول هذه المنظومة حيز الاستغلال كان مبرمجا للربيع المنقضي غير أن بعض الصعوبات والإجراءات أجّلته إلى شهر سبتمبر القادم أي مع حلول السنة القضائية القادمة.. وفي الانتظار، على كل الأطراف بذل المزيد من الجهد للحول دون أن يدخل أبرياء السجن. للتعليق على هذا الموضوع: