اعاد الغموض والتضارب الذي رافق الاعلان عن النتائج الاولية للانتخابات الرئاسية في ايران ولو لبعض الوقت الى الاذهان ما حدث قبل تسع سنوات خلال الانتخابات الرئاسية الامريكية عندما اضطرت المحكمة العليا الامريكية للحسم في نتائج السباق الى البيت الابيض لسنة 2000 واعلان فوز الرئيس السابق جورج بوش على منافسه الديموقراطي البيرغور بفارق ضئيل وذلك قبل ان تتجه نتائج السباق الايراني الى الوضوح مع تقدم عملية فرز الاصوات التي اقرت فوز الرئيس المتخلي احمدي نجاد على منافسيه بفارق واسع من شانه ان يحمل في طياته اكثر من رسالة لاكثر من طرف في الداخل كما في الخارج. واذا كان جزء من هذه الرسائل موجه لاعداء احمدي نجاد الذين يرون في شخصه وفي مواقفه وخياراته السياسية تهديدا للامن الاقليمي والدولي فان فيها ايضا ما يعكس الكثيرعن المشهد الايراني الداخلي وحقيقة الصراع بين الاصلاحيين والمتشددين حسبما سجلته لغة الارقام التي تاتي لتفرض بدورها الكثير من الحقائق وتكشف ان احمدي نجاد ابن الحداد الفقير الذي دخل السباق متمسكا بخطابه الشعبوي وبشعاراته المالوفة الموجهة للخارج بشان المحرقة اليهودية وحق ايران في مواصلة مشروعها النووي والموجهة للداخل بشان محاربة الفساد والانتهازية يبقى مرشح الغالبية لدى الايرانيين وانه بالتالي سيكون رئيس ايران للسنوات الاربع المقبلة بكل ما يعنيه ذلك من سيناريوهات محتملة او حتى غير محتملة في العلاقات الايرانية الخارجية... و بعيدا عن استباق الاحداث فان الارجح ان عنصر الزمن وحده سيكون كفيلا بالكشف عن أي توجهات جديدة في السياسة الخارجية لايران والتي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تكون بمعزل عن الاحداث والتطورات الدولية والاقليمية المرتبطة بمصالح ايران على المدى القريب والبعيد ومدى استعداد ادارة الرئيس اوباما للمضي قدما في مد اليد الى العالم الاسلامي وتغليب منطق الحوارالمقطوع مع ايران منذ نحو ثلاثة عقود بكل ما تخللها من احداث بلغت حد المواجهة في احيان كثيرة بين طهران المصنفة ضمن محور الشرلدى الغرب وبين واشنطن واسرائيل او الشيطان الاكبر حسب ايران... و الواقع انه اذا كان للذاكرة الايرانية ان تنقل سير تجربة الانتخابات الرئاسية العاشرة للاجيال الايرانية المقبلة فان الارجح انها ستصنفها ضمن الانتخابات الرئاسية الاكثر اثارة في ايران ما بعد الثورة. ولا شك ان الاجواء التي رافقت هذه الانتخابات التي ترشح لها اكثر من اربعمائة شخص لم ينل منهم سوى اربعة فقط اهلية الترشح للانتخابات في اكثر من محطة لن يزول تاثيرها سريعا من اذهان الايرانيين بل وربما الذين تابعوا من قريب او بعيد ما تخلل هذا السباق من سيناريوهات تلقائية او مفتعلة تجاوزت المالوف في احيان كثيرة على الاقل بالنسبة للسائد مع الاجواء الانتخابية في العالم العربي وحتى الاسلامي بدءا بالمناظرات التلفزية التي جمعت بين المتنافسين وما تخللها من حرب كلامية واستفزازات علنية مرورا بالدخول في جولات متواترة لتبادل الاتهامات العلنية في الجامعات والمساجد وعلى الفضائيات كل ذلك في محاولة لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الناخبين وصولا الى موعد الحسم وما سجله الناخبون الايرانيون بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم من اصرار على ممارسة حقهم في الاقتراع حيث لم تمنعهم درجات الحرارة المرتفعة في مثل هذه المرحلة من الوقوف لساعات طويلة في الطوابير في هدوء في انتظار الادلاء باصواتهم في مشهد طالما اقتصر في الحقيقة على المجتمعات الغربية دون غيرها وقد تجاوز هذا المشهد فئات الشباب الايراني ليمتد الى صفوف المراة الايرانية التي راهن كل المترشحين على صوتها الحاسم باعتبارانها تمثل نحو نصف الناخبين (خمسة وعشرون مليون ناخب من اجمالي تسعة واربعين مليون ناخب) فضلا عن تلك الفئة العريضة من الشباب الايراني التي حرص المترشحون على استمالتها كل على طريقته وحسب افكاره وتوجهاته وقناعاته بما جعل الحملة الانتخابية التي انطلقت بهدوء الى درجة الملل والرتابة تتخذ فجاة منعرجا مغايرا لتحتدم وتثير شهية المتفرج وغيرته كلما بدا العد التنازلي لموعد الانتخابات بين شق الاصلاحيين وبين المحافظين في مغامرة قد لا تسقط من اهتمامات العالم المتطلع الى المشهد الايراني قريبا...