يتحرك الشارع الايراني لا ليحرق أعلام الشيطان الأكبر أو ليطالب بإزالة اسرائيل، طهران تموج هذه المرّة بشيء من رائحة ذاك الذي احتضنته آخر سبعينات القرن الماضي: شوق الحرية. الأكيد أن الصورة ليست تماما محمولة على أكف هذا الشوق بالنظر لعقدة الانتخاب التي فجرت تحرك هذا الشارع وهي عقدة غير واضحة الابعاد والخلفيات لكي تسمح بالحكم أن كان هناك صراع حقيقي في إيران بين محافظين ودعاة تغيير أو أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تبادل أدوار بين أجنحة تتصارع دون أن تكون هناك فرصة في تغيير جوهر النظام القائم الذي أرساه الإمام الخميني أو المس من ثوابته. واذا كانت بعض تجارب عمليات التحول السياسي تثبت أن صراع الأجنحة داخل نسق سياسي واحد قد تنتهي الى سقوط النسق والانقلاب الجذري عليه فإن الحالة الإيرانية الماثلة اليوم على أصداء انتخابات الرئاسة حادة الاستقطاب بين جناح نجاد المحافظ وخصومه الاصلاحيين لا تمثل مقدمات جدية لامكانية انقلاب راديكالي للاوضاع في ايران. في ذروة حماسة النقاش والاحتكاك بين الجناحين المتصارعين لم تكن مقدسات سياسية مثل ولاية الفقيه أو مرجعية المرشد أو ميراث الامام الخميني والثورة الاسلامية محل خلاف أو تشابك، يبدو الصراع في إيران اليوم بين بدائل من داخل الحضن التاريخي للثورة نفسها وباسم التنافس حول المشروع الأكثر قدرة على حماية أرث هذه الثورة وتصليب عود نظام ولاية الفقيه لا اختلاف في ذلك بين المحافظ نجاد أو الاصلاحي ميرموسوي. يتابع الغرب بانتباه حركة الشارع في إيران بالتأكيد لا خوفا على نظام يواظب مرشده الأعلى كل جمعة على الدعاء بالسقوط والنكوص على هذا الغرب المعادي بل أملا في رؤية طهران مستئنسة بخطى عواصم الثورات البرتقالية وهي تعج بمواطنيها المعتصمين بالشوارع حتى تتحقق مطالبهم في تغيير أنظمتهم المتكلسة. ينتبه الغرب أملا لكن خبراءه المرموقين يدركون أن ايران قصة مختلفة عن النموذج البرتقالي المستنسخ في بعض عواصم امبراطورية السوفيات المنهارة فالتجربة التي استطاعت ان تولد من داخلها مشروعها الديمقراطي الخاص الذي يفسح لمجتمعها الاختيار والفعل في عملية تداول انتخابي مكتملة المعايير كأي تجربة في بلدان الديمقراطية العريقة، ايران الملالي التي استطاعت أن تتقن بذكاء ديكورا ديمقراطيا يسمح بالتنفيس والايحاء بالتداول ومنح الشعب نشوة الاختيار، إيران الحاكمة باسم الايديولوجيا الدينية بنسخة شيعة الامامة الاثنا عشرية التي نجحت في أن تجمع مرشحين للرئاسة في مناظرة تلفزيونية مباشرة قالا فيها كل شيء دون رقابة أو منع واكتظت مدنها بتجمعات الدعاية الانتخابية وتصارعت صحفها انقساما في المساندة لهذا المرشح أو ذاك. إيران بهذا الخيال الذي استعصى على أنظمة من المفترض أنها أكثر حداثة لا يمكن أن تكون مجرد نسخة سطحية سيئة لأوهام الانقلابات البرتقالية!!!