تجري في إيران اليوم الانتخابات البرلمانية، في ظل قوانين إعلامية صارمة، فرضت على نحو 4476 مرشحاً في أنحاء البلاد، حصلوا على موافقة مجلس صيانة الدستور، لخوض المنافسات الانتخابية. ويذهب الإيرانيون للانتخابات في الرابع عشر من مارس (آذار) الجاري لاختيار 290 نائباً سيمثّلونهم في السنوات الأربع المقبلة. ويضم البرلمان 285 مقعداً للمسلمين، ومقعدين للمسيحيين، ومقعداً لكل من الزردشتيين والآشوريين واليهود. ويضيّق توزيع المقاعد هامش المنافسة أمام الإصلاحيين، لينحصر بنحو 25 مقعداً في حال استنفر التيار المحافظ كل طاقاته ومؤسساته لتحقيق فوز كاسح ومنع خصومه من الوصول الى البرلمان. ودعا التيار الإصلاحي الإيرانيين إلى المشاركة بكثافة في الاقتراع “لأن انتصار الإصلاحيين مرتبط بمستوى المشاركة الشعبية”. و تجري الانتخابات الحالية في ظل تأزم الأوضاع في إيران ، من جراء احتمال التدخّل العسكري المتعلّق ببرنامج إيران النووي على الجميع؛ وتفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب الحصار المفروض على إيران ، و تخطي غلاء الأسعار كلّ التوقّعات الحكومية؛ وازدياد النقص في الغاز الطبيعي والنفط ، وظهور بوادر ركود-تضخّم .ويحتاج الناخبون لمرشحين حقيقيّين يتمتّعون بشرعية شعبية يمكنهم تقوية مركز البرلمان في بنية السلطة الإيرانية . أوساط المحافظين تشير إلى أن الفوز الأكبر سيكون من نصيب المحافظين، الذين نجحت جبهتهم في تقديم لائحة واحدة برئاسة حداد عادل، وان هذه اللائحة تضم شخصيات لها تجربة كبيرة في العمل السياسي.وفي هذا الإطار، تتوافق أراء المحللين على أن الشارع الإيراني يتطلع إلى ظهور تيار جديد يتمكن من مقارنة الأقوال بالأفعال. فالانتخابات المقبلة ستكون انتخابات صعبة على حكومة نجاد لأنها ستكشف للرئيس نجاد وللعالم اتجاه البوصلة الحقيقية للشارع الإيراني. صحيح أن الشارع الإيراني منقسم على نفسه في تقييم حكومة نجاد إلا أن الكفة تكاد تميل للإصلاحيين، وهذا يفسر للمراقبين الاستعدادات التي يبديها الرئيس خاتمي للنزول مجددا إلى الشارع الإيراني ومنافسة نجاد على الانتخابات العاشرة بعد عامين. وتشهد جامعات طهران انعقاد الندوات والمناظرات ما بين الإصلاحيين والمحافظين، وكل طرف يسعى لتعبيد الطرق لحزبه، وتبقى كلمة الفصل في ذلك الجدل، والماكينة الانتخابية التي أغرقت شوارع طهران بسيل من الصور، تبقى لصناديق الاقتراع. غير أن هناك رأي آخر للمحللين لا يتوقع أن تسفر الانتخابات عن مفاجآت، بعدما رفضت السلطات ترشيحات أعداد من الإصلاحيين الذين كانوا يأملون بتعزيز مواقعهم في مجلس الشورى على حساب المحافظين الذين انبثقت عنهم "الجبهة المتحدة للأصوليين"الداعمة لتيار الرئيس محمود احمدي نجاد. وقال الناطق باسم الجبهة شهاب الدين الصدر أنها قدمت 260 مرشحاً في أنحاء إيران. وينافس هذه الجبهة داخل المحافظين، تجمع "المنتقدين للحكومة" وابرز مرشحيه السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي علي لاريجاني الذي قرر خوض المعركة في قم. وإذا كانت اللوائح المتعددة للتيار المحافظ، اختلفت عن بعضها بأسماء المرشحين، فإنها اتفقت على إدراج اسم الرئيس الحالي للبرلمان غلام علي حداد عادل على رأس لوائحها، في محاولة للتأكيد على احتفاظه بمنصبه في الدورة المقبلة. وبالمقابل حشد التيار الإصلاحي ما تبقى له من أسماء وشخصيات في طهران، في لائحة من 30 اسماً، هو عدد مقاعد العاصمة، من اصل 872 مرشحاً عن طهران، وذلك على رغم تسليمه ب "عدم تكافؤ الفرص" مع المحافظين، "إذ لم تحدث معجزة تشبه الى حد بعيد الحال التي رافقت انتخاب الرئيس السابق محمد خاتمي العام 1997، كما قال أحد الناشطين الإصلاحيين. جبهة الإصلاحيين الإصلاحيون دخلوا الانتخابات هذه المرة بقوائم متعددة، ولم يتمكنوا من تأسيس ائتلاف يجمعهم كلهم. ويقول مسؤول الهيئة الانتخابية لجبهة الإصلاحات مصطفى تاج زاده في هذا الشأن أنه برغم ذلك فإن الاصلاحيين يعيشون بمشتركات ثابتة، وإذا فازوا فإن تحالفهم في البرلمان سيشكل خطرا على المحافظين. وفي السياق نفسه، قال الشيخ كروبي رئيس البرلمان السابق إن حزبه (الثقة الوطني) سيكون له نصيب كبير في الانتخابات البرلمانية، وأضاف "إننا نطمح إلى تشكيل برلمان قوي ومنتج ولا يهمنا من أي حزب سيكون، إلا أن ما يهمنا في المرحلة الراهنة أن تكون نوعية الأشخاص والأفراد تختلف". وأوضح أنه قلق على المستقبل، وأن رفض عدد من المرشحين شكل صدمة للإصلاحيين. وأضاف أن "حزب الثقة"هو حزب إصلاحي، إلا انه لا يضم في قوائمه أياً من "المتشددين". و لاتمثل جبهة الإصلاحيين بدورها نسيجاً واحداً. إذ تضم بدورها ثلاثة تيارات أبرزها: جبهة المشاركين، وهي عملياً حزب الرئيس محمد خاتمي، وأبرز وجوه قيادته سعيد حجاريان نائب وزير الداخلية السابق وعباس عيدي أحد أبرز قيادات طلاب خط الأمام في الأيام الأولى للثورة الذي نفذ احتلال السفارة الأمريكية في طهران، وشقيقا الرئيس خاتمي. الثاني التيار الديني التقليدي، وأبرز وجوهه آية الله مهدي كروبي، وحجة الإسلام علي أكبر محتشمي، والثالث المستقلون. وقد توسعت جبهة الإصلاحيين مع انتخاب حجة الإسلام الإصلاحي محمد خاتمي رئيساً للجمهورية في أيار/ مايو 1997، الداعي إلى إرساء دولة القانون، والحريات العامة، وحقوق الفرد، والتعددية، والسماح بنشاط جميع الأحزاب شرط موالاتها للدستور حتى لو اعترضت على بعض تدابيره مثل آلية عمل نظام ولاية الفقيه "ويبقى شخص الفقيه خارج دائرة النقد". ومنذ مجيء خاتمي إلى الرئاسة رفع شعار دولة الحق والقانون،وازدهرت الحريات العامة نسبيا في عهده، ولاسيما حرية الصحافة ، غير أنه مع مجيء الرئيس محمود أحمدي نجاد ، تضاعفت ممارسة الدولة للقمع بإشراف الفقيه آية الله خامنئي. فالتيار المحافظ استخدام كل أدوات السلطة لديه ، من أجل تحجيم التيار الإصلاحي وأضعافه. وكان مجلس الشورى الإسلامي "البرلمان" قد طرح من خلال إحدى لجانه مشروع قانون الانتخابات بحيث يجري إدخال شروط تعجيزية على مواصفات المرشحين، وتحديداً على صعيد التزامهم بمبدأ ولاية الفقيه، وأقر قانون المطبوعات الجديد الذي ينص على ملاحقة كل كاتب "دون رئيس التحرير أو صاحب المطبوعة" يمس النظام العام وأمن البلاد وحرمة القيادة، الذي يمثل سبقاً مسلطاً على صحف اليسار، وهو ما يعني أن صحف المعارضة ستجد المصير عينه الذي وجدته صحيفة اليسار الرئيسية "سلام" بناء على شكوى من وزارة الأمن. ويقول على حكمت مدير تحرير صحيفة «خرداد» في وصفه الخارطة السياسية الإيرانية، التي تبدو سهلة القراءة من خلال توزيع القوى بين محافظين وإصلاحيين، لكن تضاريسها السياسية تبدو أعمق من ذلك بكثير، الجمهورية الإسلامية في إيران، بناية من خمس طبقات، مختلفة في تفاصيلها وليس المهم من هو تحت أو فوق بل المساحة والحضور. ويمكن القول إن المحافظين حاضرون وبنسبة 80 بالمائة، لكن هذه النسبة معكوسة في السلطة حيث يهيمن المحافظون على 75 في المائة من مواقع القرار، والإصلاحيون على 20 في المائة أو 25 في المائة فقط. أما "كوادر البنية" (وهو تنظيم يقف بين الجبهتين المحافظة والإصلاحية وينتمي إلى هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس الجمهورية السابق، وأبرز قيادات "الكوادر" غلام حسين كرباستشي الرئيس السابق لبلدية طهران الذي دخل السجن سابقا ، ووزير الإرشاد السابق عطا الله مهاجراتي، ومحمد رفنسجاني "شقيق الرئيس السابق" ومحمد عطريان فور رئيس تحرير صحيفة "همشري" العنصر الناجح في الانتخابات البلدية الأخيرة. ويمثل هؤلاء تحالف تكنوقراط الدولة مع الرأسمالية الصناعية). فإن لهم 2 في المائة في المجتمع و10 في المائة من السلطة، وهذه النسبة الكبيرة نسبياً والتي تمتزج آلياً مع كوادر الإصلاحيين تعود إلى أنهم يشكلون كوادر الطبقة الوسطى التي التزمت بالثورة والدولة منذ الانطلاقة الأولى. أما الطابق الرابع فهو لليبراليين المنظمين وغير المنظمين ونسبتهم 5 في المائة. والطابق الخامس ل "المعاندين" الذين رفضوا ويرفضون كل هذه التيارات، أما لأنهم بقوا جامدين أو ليأسهم من التغيير الذي يفهمونه "انقلابياً". المحللون المتابعون للشؤون الإيرانية يعتقدون أن هذه الانتخابات لن تغير شيئا في المشهد السياسي الإيراني لأن المرشد الأعلى، علي خامنئي، وحلفاؤه قاموا باختيار البرلمان القادم، حين تركوا مجلس صيانة الدستور يرفض ترشيح غالبية الإصلاحيين وأيّة سياسيين آخرين غير متعاونين. فهل هذه إنتخابات حقيقية بعد أن تم إختيار مرشّحيها مُسبقاً؟ ويعرف الناخبون أنّ أصواتهم لن تحتسب في الإنتخابات بسبب قيام فئةٍ صغيرة من السياسيين ذوي السطوة في مجلس صيانة الدستور بتقرير الشكل العام للبرلمان واتّجاهاته قبل إدخال أوّل ورقة في صندوق الاقتراع.ويعلمون أيضاً أنّ هذه الإنتخابات ستحدّد التوجّه السياسي حتى الإنتخابات الرئاسية في العام 2009. وتُظهِر الأحداث حتّى الآن أنّ هؤلاء الذين سُمِح لهم بالترشيح ليس لهم أيّ شرعية شعبيّة مستقلّة، لكنّهم جيلٌ جديدٌ من السياسيين يستمدّون شرعيّتهم ودعمهم من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، والمؤسّسات الخاضعة له. فهل الأمر هو انتخابات أم تعيينات؟ محور الصراع بين الإصلاحيين و المحافظين: ولاية الأمة... أم ولاية الفقيه؟! يتساءل المحللون ما هو محور الصراع الحقيقي بين التيار المحافظ والتيار الإصلاحي مع بداية اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة؟ لقد كانت الثورة الإيرانية، في شكلها الخميني على الأقل، ككل الثورات الكبرى التي عرفها القرن العشرون قد عاشت فترة من الصراع بين حالة من النقاء الخالص والبسيط للإيديولوجية وبين السياسة الواقعية التي يكثر فيها الاختلاط والتعقيد حول مسائل داخلية، حيث يدور صراع شديد حوال التحديث في بنية النظام السياسي، وموقع الإسلام وعلاقته بالسياسة، بين المحافظين والإصلاحيين. مما لاشك فيه أن الصراع بين المحافظين والإصلاحيين يعود إلى بدايات الثورة الإيرانية، ويتمحور حول نظرية ولاية الفقيه، فالإمام الخميني من خلال التنظير لولاية الفقيه قد أخرجها من حيز الفقه ومسائله العبادية العملية إلى حيز علم الكلام ووسائله الاعتقادية وجعل منها جزءاً من أصول الدين لا من فروعه، وهذا يعني أنه لا يوجد أي فرق بين ولاية الإمام المعصوم وولاية الفقيه، بل إن الخميني يذهب إلى المطابقة بين ولاية الفقيه وولاية الإمام المطابقة، وهو إنكار يتم داخل المجال الإيديولوجي للثورة الإيرانية نفسها بواسطته. وعلى نقيض ولاية الفقيه التي شكلت الأساس الإيديولوجي الذي يقوم عليه نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية طورت عدة مراجع دينية في إيران نظرية "ولاية الأمة على نفسها"، وتعتمد خط الشورى في المسألة السياسية والتنظيمية المتعلقة بالمجتمع السياسي، باعتبارها دولة زمنية لا يجوز للفقهاء أي رجال الدين أن يتولوا السلطة فيها، أو أن يكون جميع جسمها وبخاصة جميع مفاصلها وقيادتها مكونة من رجال الدين. بل إن هذه الدولة يجب أن تدار بحكمة عالية، وأن يتولى قيادتها رجال سياسة مختصون، لأن رجال الدين عادة غير مختصين في حقول ممارسة الحكم في الدولة، والحال هذه تصبح الدولة من مناطق "الفراغ التشريعي" المحالة للأمة. فلا مجال لأن يسند بها شخص واحد إذا كان هو الفقيه العادل. وتشكل نظرية "ولاية الأمة على نفسها" لعدة مراجع دينية إيرانية وللرئيس السابق محمد خاتمي نفسه امتداداً طبيعياً للخط الإصلاحي الديمقراطي الذي كرسه الإمام النائيني داخل المدرسة الشيعية الكلاسيكية في مطلع القرن العشرين والذي انطلق في تنظيره وتأويله لمفهوم الدولة الإسلامية، ليس انطلاقاً من نظرية "ولاية الفقيه" بل انطلاقاً من نظرية "ولاية الأمة على نفسها" التي ترى في الدولة مسألة شورية واختيارية وانتخابية ودستورية بين المسلمين أي مسألة فقهية من الفروع لا كلامية من الأصول. وهكذا تتحدد خطوط التناقض بين نظرية "ولاية الأمة على نفسها" التي تؤكد فيها أن الشريعة الإسلامية أوكلت أمر الأمة، إلى نفسها، مادام منطق الإسلام هو منطق الشورى في المسألة السياسية والتنظيمية، ومنطق الإسلام الفقهي هو منطق كرامة الإنسان وحريته وولاية الإنسان على نفسه، وبين نظرية ولاية الفقيه، التي أولها الإمام الخميني وفق اجتهاده الفقهي، على أساس مناداته بالولاية المطلقة للفقيه بإقامة الدولة الإسلامية تحت قيادته وإمامته. لذلك إن الولاية المطلقة للفقيه تعني قيادة الأمة المتمثلة في نائب الإمام الغائب، الذي اصطلح على تسميته مؤقتاً بالإمام، وهذا يفتح الباب واسعاً لاحتمالات الانزلاق نحو بناء دولة استبدادية تيوقراطية تقوم على نظرية الحق الإلهي للحكم، حيث ينفرد الإمام وحده وبإطلاقية بالرأي من دون منازع، باعتباره قائداً سياسياً، ومرشداً روحياً للأمة، وفارضاً ولايته على الأمة، الأمر التي يعود إلى احتكار السلطة من جانب رجال الإمام أي الفقهاء. وكان الوجه الأبرز بين كبار رجال الدين في إيران آية الله منتظري قد أعاد النظر في الطابع الديني للجمهورية الإسلامية من خلال مؤسسة ولاية الفقيه، وهي أعلى مرتبة سياسية دينية في الدولة. وهو يعتبر أن "الفقيه" أو المرشد الأعلى للجمهورية لا يتمتع بشرعية إلهية ويجب تالياً تعيينه ديمقراطياً لمرحلة محدودة من الزمن على أن يكون قابلاً للعزل، وأن يكون دوره روحياً في الأساس. كذلك يمكن أن يقع الخيار لهذا المنصب على شخص من غير رجال الدين يفرض احترامه بسبب معارفه الفقهية وصفاته الإنسانية، وليس بالضرورة رجل دين أن يكون مجرداً من هذه الميزات. أما "جريمته الكبرى" فهي أن أنه نزع الأهلية عن "الفقيه" الحالي، خليفة الخميني، آية الله خامنئي إذ لا يرى فيه هذه الصفات. و كان الطلاب الذين انتفضوا ح في بداية صيف عام 1999، وجهوا نقداً مباشراً إلى مرشد الجمهورية، وطالبوه برفع يده عن قوى الأمن الداخلي وإناطة مسؤوليتها بوزير الداخلية، مما يعني كسر هيبة هذا المقام الذي بقي طوال العشرين عاماً من عمر الجمهورية الإسلامية بعيداً عن أي نقد. فالطلاب يستنكرون الطبيعة التيوقراطية لولاية الفقيه، ويتهمون مرشد الثورة وأهل الحكم باستعادة الممارسة التيوقراطية، و لاسيما بعد إرسال مسلحي حزب الله لمهاجمة الطلاب بطريقة غير قانونية . ويشكل تنظيم "أنصار حزب الله" اليد الحديدية للتيار المتشدد داخل جبهة المحافظين المتمسك بنظرية ولاية الفقيه، والذي يقود المواجهة بواسطة العنف في الشارع وفي الجامعات. وأخيرا ظهر تنظيم "فدائيان إسلام" منضماً في طرحه المتشدد ولجوئه إلى العنف إلى أنصار حزب الله. ويستمد التيار المحافظ المتشدد قوته أيضاً من سيطرته على المؤسسة القضائية التي تحتل حيزاً رئيسياً في المواجهة ضد التيار الإصلاحي، وهي إذ تخضع لسلطة الفقيه على خامنئي فإنها خارج عن رقابة السلطتين التشريعية والتنظيمية. يشكو محمد انزينفار مدير "همشري" (صحيفة اليمين التحديثي) التي تنشر نصوصاً وتصريحات للعلماء "التحريفيين" أو لرجال الدين المحافظين لكل المؤيدين للحريات وهي أوسع الصحف اليومية انتشاراً، من هذا الوضع، فيقول بمرارة "أن سيف العدالة في أيدي اختصامنا" وما يزيد من ربة هذا السيف إن الله هو من يحركه، إذ يوضح أسد الله بادا مشيان أحد أوسع الزعماء المحافظين نفوذاً: "إن العدالة ذات جوهر ديني"، فيما يقول آية الله محمد يزدي الرئيس السابق للمؤسسة القضائية "لا تستمد العدالة شرعيتها من الشعب بل من الإسلام". وبينما يطالب التيار الإصلاحي بإزالة "محكمة رجال الدين" و"المحاكم الثورية" باعتبارها أصبحت من الماضي، يعتقد التيار المحافظ بأن الثورة، في حاجة لهذه المحاكم من أجل متابعة المعركة، حيث يقول الدكتور حسن غفوريغارد عضو رئاسة البرلمان القريب من المحافظين "علينا واجب محاربة أعداء الجمهورية في الداخل والخارج وخصوصاً الغزو الثقافي الغربي". علينا أن نعترف بأن جبهة اليمين المحافظ في إيران ليست متماسكة ولا هي موحدة في رؤاها، بل هي أيضاً تشقها تيارات ثلاثة. الأول متشدد، كنا أسلفنا في تحديد مواصفاته ورموزه، والثاني يمين تقليدي "ارثونكسي" يمثل تحالف برجوازية البازار ورجال الدين التقليديين، والثالث بين معتدل أو محافظ تقليدي. الشيء المؤكد في إيران، أن التيار المحافظ المتشدد ا ما زال يتمسك بالمفاصل الأساسية للنظام ويعمل من مواقعه المحصنة على كبح أي إصلاح أو تغيير أو إطلاق حرية التعبير ولو من داخل النظام، نفسه، والقيم نفسها التي انفصلت من أجل الثورة الإسلامية. فالطلاب الذين كانوا رأس الحربة في إسقاط شاه إيران، يوم كان رمزاً للظلم والاستبداد، وناصروا الجمهورية الإسلامية، أصبحوا اليوم يطالبون بالتخلي عن نظيرة ولاية الفقيه، التي باتت تفتقر إلى المساندة سواء وسط الطلاب أو أساتذتهم. وهذا بحد ذاته يعتبر تطوراً سياسياً مهماً وخطيراً، بل إنه أهم وأخطر تطور منذ استلام رجال الدين السلطة العام 1979. ويعتقد بعض المحللين الغربيين أن تبلور التيار الإصلاحي في إيران هي "بداية النهاية" لنظام حكم آيات الله الذي أنشأ عام 1979، وتذهب دومينيك برومبرجر، الخبيرة الفرنسية البارزة في الشؤون الدولية إلى الجزم بأن "الثورة الخمينية انتهت في طهران .." بعد أن كسر التيار الإصلاحي "المساكنة على الطريقة الإيرانية" المتميزة بانعدام التوازن البنيوي في المواجهة بين "الفقيه" المطلق مع الشرعية الشعبية. مرة أخرى، يجد التيار الإصلاحي في صراع مع الزمن وأن المبادرة التي دخلها في سبيل تحديث النظام السياسي، وخوض معركة الحداثة في إيران، هي في غاية التعقيد، بعد أن ضيع الفرصة الأخيرة عندما كان خاتمي في السلطة، حيث أن هزيمته أدت إلى انحساره، ولو مؤقتا. ولاشك أن انحسار وفقدان التيار الإصلاحي زمام المبادرة، يخدمان موضوعياً البيروقراطية المحافظة والمتشددة، التي انقضت على المكاسب التي حققها التيار الإصلاحي خلال السنوات القليلة الماضية. ذلك إن نجاح التيار المحافظ المتشدد كان له تأثير كبير في كل العالم الإسلامي. *كاتب من تونس