شكلت مسألة الاسلام السياسي والانتخابات موضوعا محوريا في الفضاء العربي والاسلامي أسال الكثير من الحبر وأثار اكثر منه من الجدل والسجالات غربا وشرقا منذ ما لا يقل عن ثلاثة عقود كانت ذروته عند الاطاحة بالشاه في ايران وقيام ولاية الفقيه بها عام 1979 ثم استيلاء الاسلاميين على مقاليد السلطة في السودان بعد حوالي عشر سنوات ثم ما آلت اليه الانتخابات البلدية بالجزائر منذ سنة 1991 (والتي لم تزل تداعياتها تدمي الجزائر) قبل بروز حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين الى غير ذلك من المظاهر والاحداث التي تتصل بصفة او بأخرى بالعملية الديمقراطية في البلاد العربية حيث لعبت التيارات الاسلامية او الاسلاماوية دورا هاما. فقد دخل الاسلام السياسي معترك الانتخابات رافعا شعار «الاسلام هو الحل» مستغلا تفشي الجهل لدى الشعوب العربية والاسلامية عموما والصعوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي ترزح تحتها اضافة الى غياب البرامج السياسية الواضحة التي تأخذ بعين الاعتبار معاناة الانسان العربي وانسداد الآفاق امامه في حالات عدة والانتكاسات المتوالية في مواجهة العدوان الاسرائيلي والغطرسة الغربية رغم ما كانت ترفعه بعض النخب العربية الحالمة من شعارات فضفاضة اظهرت الايام عقمها وعدم جدواها. وقد اطلق الاسلاميون والمنتسبون اليهم على هذه الظاهرة، ظاهرة المد السياسي طوال الفترة الماضية «بالصحوة الاسلامية» وكأن الاسلام كدين كان في موطنه العربي والاسلامي في سبات عميق وجاء الاسلاميون لايقاظه ثم اتضح للجميع، لجميع المتابعين لبروز الظاهرة الاسلاموية وتطورها ان المقصود بالصحوة الاسلامية هو الصحوة السياسية المنسوبة للاسلام وليس صحوة الاسلام كدين. وتعاملت النخب الحاكمة في البلدان العربية والاسلامية كما في الدول الكبرى الاخرى المعنية بالموضوع بمقاربات ووسائل مختلفة ومتنوعة بغية فهمها ومتابعة تطورها وتفشيها ثم استيعابها ومحاصرتها وتطويقها. ومن هذا المنطلق افسحت بعض البلدان العربية والاسلامية المجال الانتخابي امام هذه التيارات الاسلامية في حين منعته بلدان أخرى بوسائل دستورية وقضائية او أمنية. وباعتبار ان الخطاب الاسلامي الانتخابي قام في البلدان التي تعاملت معه بايجابية على ايحاءات وشعارات شعوبية واخلاقية وتوجهات مقاومة لكل مظاهر الفساد والتصدي لكل ما يأتي من «الغرب الملحد» من ناحية ومن ناحية ثانية يؤكد هذا الخطاب على استقلالية القرار الوطني ومعارضة التدخل الخارجي سياسيا كان أم اقتصاديا الى جانب موقف متصلب لا يلين ولا يهادن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضايا التحرر الأخرى فقد لقي هذا الخطاب للاعتبارات سالفة الذكر ولغيرها من الاعتبارات الأخرى آذانا صاغية وقلوبا متقبلة ونفوسا متهيئة.. وكان أن حققت بعض هذه التيارات هنا وهناك بعض النجاح الذي أثار بدوره ردود فعل لما يمكن أن تمثله هذه الظاهرة من خطر على الديمقراطية والحرية بصفة عامة. ذلك أن الخطاب السياسي او الانتخابي الكفيل بالاقناع «لا يحتاج لشحذ السيف واعتماد العمامة.. انه خطاب يعوّل على الحجة والبرهان وليس على الطاعة والاذعان...» ان الشعوب المسلمة لا تحتاج لجماعات اسلامية سياسية لتمنحها الاسلام وتقييم مدى «اسلاميتها» وتقيدها بقيم الاسلام ومبادئه. ما تنتظره هذه الشعوب من المتقدمين لتولي شؤونها على مختلف الاصعدة هو مدى التزامهم بوعودهم الانتخابية وتلبيتهم لحاجاتها ومطالبها وطموحاتها لا سيما في ظل العولمة الزاحفة. وفي المدة الاخيرة أكدت نتائج الانتخابات التي كان الاسلاميون طرفا فيها فشلهم في مواجهة الواقع الصعب بمجرد شعارات وأوهام واحلام بما كشف عجزهم عن تحقيق الشعارات التي رفعوها للتغرير بالناخبين وابتزاز اصواتهم ومعاداتهم لاصول الديمقراطية (التي أوصلتهم الى ما وصلوا اليه) وحقوق المرأة على وجه الخصوص. ان نتائج بعض العمليات الانتخابية في مستويات مختلفة واماكن متباعدة حيث شاركت التيارات الاسلامية فيها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك انحسار الاسلام السياسي وافتضاح امر الرافعين لرايته وعدم قدرتهم على ايجاد موطن لهم وموقع قدم دائم في اطار انتخابات ديمقراطية حرة لا يسودها خطاب دغمائي يخاطب النزعات ويراهن على التخويف والترغيب والترهيب. ومن الأمثلة التي تؤكد ما ذهبنا اليه: الانتخابات الباكستانية الاخيرة حيث لم تحصل الأحزاب الاسلامية فيها على اكثر من 11% من مجموع أصوات الناخبين بينما كانوا ينتظرون انتصارا ساحقا،. هزيمة التيارات الاسلامية في الاردن في الانتخابات الاردنية (2007) حيث تقلص عدد مقاعدهم الى ستة مقاعد فقط من 17 كانت لهم في المجلس النيابي السابق. التصدع الدموي وما ينتظره من تداعيات داخل المؤسسة الدينية الحاكمة في ايران على اثر الانتخابات الرئاسية المتنازع بشأنها. هزيمة التيار الاسلامي في الانتخابات البرلمانية في الكويت حيث فازت لاول مرة في تاريخ الكويت اربع نساء مع تراجع للاسلاميين. تراجع التيار الاسلامي بقيادة حزب الله في انتخابات لبنان الأخيرة (بالرغم من خصوصية الانتخابات اللبنانية لاعتبارات طائفية). واخيرا في العراق حيث اثبتت انتخابات مجالس المحافظات انحسارا واضحا للتيارات الاسلامية مما اضطر بعضهم الى تحاشي الاسماء الاسلامية وتفسير ذلك لا يخفي على فطين. وفي النهاية وجب، في تصوري ان يدرك المتصدون للعمل السياسي تحت العباءة الاسلامية ان مجرد الانتساب للاسلام ورفع شعارات باسمه لا يوفر اطلاقا حصانة من المحاسبة الشعبية وان اعتماد بعض التيارات الاسلاماوية على أسلوب العنف، بمختلف اشكاله، وفرض برامجه بالقوة والتهديد والابتزاز وتخويف البسطاء بالفتاوي الكاذبة والخادعة لا طائل من ورائه امام الوعي المستنفر اليوم في مختلف ارجاء الوطن العربي حيث اصبح المواطن يحتكم الى العقل ويتحكم في مشاعره البدائية من أجل تحقيق «السلم المدني والتوافق العقلاني» والتدبير الجماعي لكل ما يهم المجموعة بعيدا عن الغوغائية والحلول المزيفة والوعود الخادعة.