إفريقيا قلعة ألغاز يصعب فكّها.. إذا ناديت على الفقر جاءك يحث الخطى وإذا التمست التنمية وجدت منها «نماذج».. في «القارة السمراء» الديمقراطية عنوان جميع الأنظمة *** عمر بنغو دخل السياسة من بوابة البريد.. واحترفها وهو في الثلاثين.. صعد في سلمها بتدرج وأسقط معارضيه بسرعة عجيبة.. حكم شعبا ب500 ألف نسمة وأدار ثروة نفطية أضخم من الغابون ذاتها.. وساس البلاد بحزب واحد ومعارضين كان يصطادهم في الظهيرة قبل أن يخطّطوا بالليل لاستعادة الديمقراطية التي لم تتعايش مع البترول *** في الثانوية.. كان كاثوليكي القلب وفي الأربعين اعتنق الملّة المحمدية ليصبح الحاج عمر بنغو ويدخل بالغابون نادي منتجي النفط في العالم لكنه رغم ذلك تزوّج ثلاث نساء فالتعددية في عائلته جائزة ومسموح بها.. بل مرغوب فيها أما في السياسة.. فهي ملعونة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. *** لم يفوّت رئيس الغابون أي موعد انتخابي.. فاز في 1973 ب6،99%.. وجاء الأوّل دون منافس في انتخابات 1979 ب8،99% وزادت شعبيته في 1986 ليحصد 97،99% لكنه ظل رئيسا في 1993 ب1،51% وسرعان ما ارتفعت أسهمه في بورصة الانتخابات ليحصل على 66% من الأصوات في 1998 قبل أن يصوّت «الشعب» له ب79% في 2005.. الحاج بنغو كتلة من المتناقضات يصعب جمعها في سلّة واحدة.. أغلق باب التعددية بقفل إفريقي لكنه أعادها لاحقا.. تحت ضغط الشارع.. كان يتحدّث عن الديمقراطية في الداخل.. وينصح «زعماء إفريقيا» بعدم الاقتراب منها لقّب ب«ذاكرة إفريقيا».. لكنّه لم يترك لهذه الذاكرة ما يجعلها سجلا لمن بعده.. عايش الانقلابات.. ومنع أي محاولة انقلابية ضده وصفته فرنسا ب«الحكيم».. فيما كان القضاء الفرنسي يلاحقه.. بتهم الفساد.. لعب دورا في حلّ نزاعات إفريقيا من دون أن يجد تسوية مع منافسيه في الداخل.. شغل نفسه بتحقيق الاستقرار في إفريقيا وأعرض عنه في الغابون.. توقف مونشكيو عن الكلام.. فنطق بنغو: «الحس السياسي هو فن النسيان».. وهكذا نسي الرجل شعبه ومستقبل بلاده الثرية وأصرّ على أن تكون الغابون إمارة نفطيّة بعقل إفريقيّ!.. *** وصفه شارل ديغول ب«النوعية المطلوبة» لفرنسا.. وتوسعت علاقات الغابون بباريس على عهد بومبيدو وتأزمت مع بداية حكم ميتران قبل أن تجد معادلاتها.. أما شيراك فقد كان له «خط مفتوح» مع بنغو.. وزارها ساركوزي في أول جولة إفريقية لكن «الحاج» كان قد دخل