تونس الصباح اذا ما أردنا تبيّن طبيعة المقصد الجوهري من وراء بعث المهرجانات الصيفية سواء منها الدولية أو الوطنية فسنجد أنه يتمثل اساسا في السعي من أجل نشر ثقافة الاقبال على العروض الفنية والفرجوية والابداعية بمختلف انواعها في اوساط عموم الناس بهدف صقل ذائقتهم الفنية من جهة وكذلك اتاحة الفرصة للجمهور العريض في مختلف ولايات الجمهورية لملاقاة نجوم الفن والابداع في اطار حفلات عامة بأسعار لا فقط في المتناول بل واحيانا رمزية وذلك من أجل اسعاد هذا الجمهور وامتاعه ومؤانسته من جهة اخرى .. وما من شك في أن المتتبع لمسيرة المهرجانات الصيفية في بلادنا سيلاحظ انها تاريخيا قد اضطلعت بهذا الدور بامتياز.. فبعض المهرجانات الدولية والوطنية العريقة مثل قرطاج وسوسة وصفاقس والحمامات والمنستير وغيرها بل وحتى بعض المهرجانات «الصغرى» الجهوية والمحلية نجدها قد ساهمت في ارساء «عادة» الذهاب الى المسارح والى حيث الحفلات العامة والعروض الفرجوية لدى الناس والعائلات في جهات تجمعاتهم السكنية بما فيها تلك التي تبدو نائية وبعيدة وحتى معزولة احيانا.. وهو ما جعل بعض المتابعين يتحدّث عن معطى «ديمقراطية الثقافة» كمكسب من المكاسب التي حققتها ظاهرة المهرجانات الصيفية بمختلف اصنافها. على أن الناظر اليوم في واقع وحال بعض المهرجانات الصيفية تنظيميا ومضمونا سيلاحظ انها مافتئت تفقد تدريجيا «طابعها» الثقافي بالمعني المقاصدي النبيل للكلمة وانها بدأت تتحول الى «سوق» موسمية بضاعتها العروض الابداعية والفنية وزبائنها هم فقط من أولئك الذين قدروا على دفع معلوم تذاكر الدخول لحفلاتها.. وهو معلوم اصبحت تحدده ويا للمفارقة قوانين العرض والطلب شأنها في ذلك شأن أية سوق اخرى!!! من نلوم؟! وحتى لا نحمّل المسؤولية لطرف دون آخر.. ولأن المسألة مسالة تحول بعض المهرجانات الصيفية من ظاهرة ثقافية الى ظاهرة «بزنس وتجارة» وحفلات وعروض بعشرات وأحيانا بمئات الملايين للحفل الواحد تبدو بالفعل متشابكة ويتداخل فيها الثقافي بالتجاري فاننا سنكتفي بالقول بان من بين من يتحمل المسؤولية في حدوث مثل هذا «الانحراف» في مسار المهرجانات الصيفية هو الفنان نفسه وخاصة الفنان النجم الذي اصبح هو ووكيل اعماله ومن يقف وراءهما لا يقيسون المسألة الا بمقاييس «المصاريف والمداخيل بعيدا عن أي تفكير او حساب ثقافي او وطني.. صابر الرباعي.. مثالا بداية يجب التأكيد على ان أخذنا لمشاركة الفنان صابر الرباعي في مهرجانات صائفة هذا العام (2009) كمثال للمشاركات التي تعكس ربما شكلا من اشكال اعطاء الاولوية لما هو مادي (أموال) على حساب ما هو ثقافي لا يعني بأي شكل من الاشكال الاستنقاص من قيمة هذا الفنان التونسي والنجم العربي وانما لانه أحد الفنانين الذين عجزت عديد المهرجانات الوطنية الصيفية عن برمجتهم وبالتالي اسعاد جماهيرها بحفلاتهم بسبب ارتفاع «كاشي» الحفل الواحد من حفلاته.. «صابر اشترط ما لا يقل عن 40 ألف دبنار للحفل) الامر الذي جعله لا يكون في متناول الا مهرجانين اثنين هما مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان صفاقس الدولي. طبعا قد يكون للفنان صابر الرباعي ولوكيل اعماله تبريراتهما المنطقية والمقبولة لهذا الارتفاع المشط في سعر الحفل الواحد مثل الحرص على تقديم حفل فني بمقاييس تنظيمية راقية واحترافية شكلا ومضمونا ولكن هذا لا يمنع ايضا من جواز تذكير الفنان صابر الرباعي وكل نجم تونسي استطاع ان ينحت لنفسه اسما في قائمة النجومية بانه يبقى مع ذلك من واجبه الوطني والثقافي ان يكون في متناول جمهور المهرجانات الصيفية وان يساهم في تثبيت مبدأ «ديمقراطية الثقافة» واشاعة حق الترفيه والامتناع في صفوف كل التونسيين دون استثناء وهي الاهداف التي لم تبعث المهرجانات الصيفية تاريخيا الا من أجل تحقيقهاا.