بقدرما استاثرت الاحداث الدموية التي اهتز على وقعها اقليم سينتيانغ الواقع غرب الصين والتي اجمع الملاحظون على انها الاعنف منذ عقود باهتمام مختلف الاوساط الاعلامية العالمية بقدرما كانت ردود الافعال السياسية حذرة وخجولة تحسبا لغضب العملاق الصيني لاسيما بعد احداث التيبت قبل اشهر والتي استبقت اولمبياد بيكين الصيف الماضي ودفعت الصين الى التلويح بورقة المصالح الاقتصادية للرد على منتقدي سياستها في الغرب وفي نفس الوقت صد حركات الانفصاليين في التيبت بزعامة الدالي لاما لتبلغ الصين حد رفض استقبال مسؤوليين اوروبيين على اراضيها آنذاك وتعلن لاحقا الغاء قمة الصين الاتحاد الاوروبي بما جعل الاوروبيين يعيدون حساباتهم ويراجعون سياساتهم في التعامل مع احد الملفات الاكثر حساسية بالنسبة للصين وهي من الملفات التي لا تقل حساسية عن ملف التيبت او تايوان... على انه تجدر الاشارة الى ان الموقف الحذرمن احداث سينتاينغ ليس مرده الحرص على تجنب غضب الصين فقط ولكن ايضا وعلى عكس موضوع التيبت مرده الحرص على عدم الرغبة في ظهور دويلة اسلامية في تلك المنطقة الاستراتيجية وهي بالتالي تجد نفسها في موقف محرج بين غض الطرف عن انتهاك حق اقلية مسلمة هناك وبين تاييد الموقف الصيني بشكل او باخر في عدم السماح بزعزعة وحدة الصين... والحقيقة ان في اصرار السلطات الصينية على توجيه اصابع الاتهام في احداث سينتاينغ الى اطراف خارجية من شانه ان يؤكد مخاوف الصينيين من احتمالات تكرارسيناريوانهيارالاتحاد السوفياتي من قبل وهو ما يجعل الصين في حالة تاهب دائم تحسبا للاخطر... ولعل في ذلك ما يمكن ان يعكس جزءا من احد الازمات المغيبة ولكنها الاكثر تعقيدا على الخارطة الصينية التي تجمع ست وخمسين اقلية صينية مختلفة في خصوصياتها الدينية والعرقية والثقافية وحتى اللغوية كانت ولاتزال السلطات الصينية تصر على انها في منائ من احتمالات امتداد عدوى الحركات الانفصالية التي شهدها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي وهو ما يعني ضمنا ان الصين لا يمكن ان تتجاهل أي تحرك قد تشتم من خلاله بذورانتفاضة او تمرد من جانب أي من تلك الاقليات الصينية بما يمكن ان يستهدف وحدتها التي تبقى مصدر قوتها ونفوذها المتصاعد في العالم ناهيك عندما يتعلق الامر باقليم سينتيانغ ذي الاغلبية المسلمة بكل ما يمكن ان يعنيه من سيناريوهات لا تغيب عن عقول الخبراء والمهتمين بشؤون المنطقة وبشؤون اقليم سينتيانغ او الارض الجديدة حسب اللغة الصينية واحد اكبر الاقاليم الصينية الواعدة... ذلك ان هذا الاقليم الذي كان قبل عقدين من افقر الاقاليم الصينية بات يطلق عليه اليوم ارض اللبن والعسل في اشارة الى حجم الثروة النفطية والغازو الذهب وغيره من الكنوز الطبيعية والاثرية التي يحتضنها هذا الجزء من الصين الذي يعادل في مساحته حجم اوروبا الغربية كل ذلك طبعا دون اعتبار اهمية موقعه الاستراتيجي على حدود كازاخستان وقرغستان وتركمستان الجمهوريات المسلمة التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي بعد انهياره وكذلك على الحدود الواقعة مع افغانستان وباكستان واسيا الوسطى بما يجعله صمام الامان بالنسبة للصين في مواجهة أي خطر خارجي... و يبدو ان السلطات الصينية قد وجدت في الحرب المعلنة على الارهاب ما يمنحها في اكثر من مناسبة الغطاء الاعلامي والسياسي لردع طموحات الانفصاليين واخماد اصواتهم دون اعتبار لما يمكن ان تسببه من مشاعرالغضب والاحتقان والاحباط الذي قد يؤدي الى الانفجار اذا ما تفاقمت الاحداث.... والامر لا يتوقف عند حدود اقليم سينتاينغ وحده ذلك ان وجود المسلمين في الصين يمتد الى اكثر من موقع والاسلام الذي وجد طريقه الى الصين عن طريق التجار وعبر طريق الحرير منذ القرن الاول للهجرة يمتد من العاصمة بيكين والى غوانجو في الجنوب ومسلموالصين الذين اختلطوا بالشعوب المجاورة في وسط آسيا يختلفون في ملامحهم وفي نمط حياتهم اليومي عن بقية الصينيين ولديهم من الخصوصيات الثقافية والعادات والتقاليد ما يميزهم عن كل الاقليات المكونة للشعب الصيني.. ولاشك ان الاحداث الساخنة المتسارعة التي يعيش على وقعها الاقليم منذ ايام قد اعادت الى سطح الاحداث واقع نحو خمسين مليون مسلم في بلاد الكونفيشوس بين نحو مليارو نصف المليار صيني وهو واقع اقرب ما يكون الى عدد مسلمي الهند الذي يناهزنحو المائتي مليون بين مليار نسمة في هذا البلد ربما يطمحون بدورهم الى تحقيق المزيد في اتجاه الحكم الذاتي دون رغبة في الانفصال نهائيا عن العملاق الصيني... لقد كان كافيا لمتتبع الاحداث الدموية التي اهتز لها اقليم سينتاينغ الواقع غرب الصين ليدرك ان مشكلة الاقليات الصينية لها جذورها وابعادها العميقة وان المعركة ابعد من ان تكون في نهايتها والارجح انها ستعود للظهور في كل مرة تشعر فيها تلك الاقلية بانها مهددة في مصالحها ووجودها وفي هويتها بما يجعل السلطات الصينية امام حلين لا ثالث لهما فاما ان تتمادى في خيارها الراهن وتستمر في تجاهل حقيقة الازمة وتاجيلها وتحويلها بالتالي الى قنبلة موقوتة او ان تقبل بحق تلك الاقليات في الحفاظ على هويتها ومعتقداتها وتخفيف القيود من حولها...