لا يختلف عاقلان اليوم على اعتبار أنّ التكامل بين البلدان الإفريقيّة هو الطّريق الوحيد لإنقاذ القارّة السّمراء ممّا هي عليه أوضاعها من تخلّف وتشتّت وفقر بجميع أشكاله. وقد عرفت القارّة الإفريقيّة محاولات عديدة ومتنوّعة لدعم التقارب والتعاون بين مختلف بلدانها أخذ أشكالاً عديدة إقليميّة وقاريّة، لكنّها لم تثمر جميعها النتائج المؤملة منها لاعتبارات داخليّة وخارجيّة. وأبرزت المساعي قديمها وحديثها لجمع شتات القارّة الإفريقيّة في إطار اتحاد إفريقي، اختلافات في التمشّي والتصوّر وبناء المستقبل الإفريقي المشترك، حالت دون الانطلاق الفعلي والحقيقي لهذا الهيكل الذي ينطلق من حسن النّوايا والأحلام أكثر ممّا يرتكز على الواقعيّة والتمشّي التدريجي الرّصين الذي يأخذ في الاعتبار مختلف الصّعوبات والعراقيل ووضع التصوّرات العلميّة لتجاوزها ورسم الخطط والبرامج الكفيلة بالتقدّم في بناء الوحدة التكامليّة لإفريقيا. فاختلاف الأنظمة في إفريقيا والتباين الشّائع في درجة النموّ بين مختلف مكوّناتها السياسيّة والعرقيّة والجغرافيّة وافتقارها إلى البنى التحتيّة الكفيلة بتيسير التقارب والتلاقي والاتصال بين مختلف شعوبها يجعل إمكانيّة إقامة قارّة إفريقيّة موحّدة وفاعلة بالنّسق المطلوب أمر يصعب بلوغه في ظروف القارّة حاليّا، إضافة إلى ما تتعرّض له من ضعوطات وتجاذبات خارجيّة لاعتبارات تاريخيّة واقتصاديّة واستراتيجيّة لا تساعد على تحقيق هذا الحلم الوحدوي الذي طالما راود الأجيال الإفريقيّة المتعاقبة وشغل الآباء الأفارقة المؤسّسين لفكرة الوحدة الإفريقيّة من نكرومة إلى العقيد معمّر القذافي المتزعّم اليوم لتطلّعات الأفارقة إلى إقامة مجال وحدوي يجمع شملهم ويوحّد جهودهم لإيجاد مكان لهم تحت شمس الحضارة المعاصرة التي لا تقيم وزنًا إلاّ للأقوياء وللكيانات الكبيرة المتماسكة. ويبقى الأمل في تحقيق ما نصبو إليه جميعًا من تقارب حقيقي وفاعل ومهيكل للعمل الإفريقي المشترك عن طريق شحذ منظّمات المجتمع المدني الإفريقي إلى جانب قادة الرّأي والفكر في ربوعنا لمؤازرة عمل الهياكل الرسميّة للتوعية الفاعلة بما يتهدّد القارّة من كوارث بيئيّة وشُحّ في المياه وما يمكن أن يترتب عليه من أوبئة وهجرات جماعيّة مُخلّة بالأمن، والتركيز على خلق هياكل تعنى أساسًا بالتعليم والثقافة ومقاومة الأمراض التي تعصف بشباب القارّة وفتح مجالات التواصل بين المفكرين والعلماء وأهل الخبرة والاختصاص في إفريقيا عن طريق تمكينهم من جواز سفر خاصّ ورصد الاعتمادات اللاّزمة التي تتيح التواصل وتبادل الخبرات ووضع التصوّرات ورسم ملامح المستقبل المشترك. ولما لا يقع التفكير في بعث قناة تلفزيّة وإذاعيّة تتجه إلى مختلف شعوب إفريقيا باللغات التي تتحدّث بها لتوعيتها وبثّ ثقافة إفريقيّة مشتركة تقلّص الفجوات وتمهّد للتقارب وتساعد على الحوار وتدعم التفاهم الذي يُعدّ من الرّكائز الأساسيّة لإقامة أيّ تجمّع يرجى منه الإفادة والتطوّر والدّوام ؟