احياء اليابان الذكرى الثانية والستين لقصف هيروشيما ونغازاكي بالقنبلة الذرية الذي كان ايذانا بدخول العالم العصر النووي حدث يجب ان يتجاوز الحدود الجغرافية لليابان ليمتد الى كل دول العالم وذلك لاكثر من سبب حيث تعود هذه الذكرى اليوم في خضم مؤشرات خطيرة حقيقية تعكس تفاقم الصراع حول السباق النووي واشتداد التنافس للحصول على المعلومات والتكنولوجيا النووية فضلا عن اجراء التجارب النووية المعلنة على اكثر من صعيد من الهند الى باكستان او الصين ايضا بكل ما يمكن ان تجسده من مخاطر على الامن والسلم والاستقرار في العالم وبكل ما تستنزفه من قدرات مالية وبشرية بل وبكل ما تعنيه ايضا من فشل اهداف اتفاقات ومعاهدات حظر سباق السلاح النووي وجهود الحد من التسلح. والحقيقة ان في اصرار اليابان وتمسك مختلف الاجيال فيه سواء اولئك الذين كتبت لهم النجاة ممن عايشوا قصف هيروشيما ونغازاكي وخبروا اهواله وتحملوا فظاعاته او الاجيال الّلاحقة التي عملت على دفع اليابان للخروج من اسوا محنة يمكن ان يتعرض لها او كذلك الاجيال الناشئة التي تمثل مستقبل هذا البلد في احياء هذه الذكرى السنوية ما يحمل في طياته اكثر من رسالة واكثر من سبب على ضرورة ابقاء هذا الحدث قائما في الذاكرة البشرية خاصة بعد موافقة الولاياتالمتحدة ولاول مرة على كشف الكثير من التقارير والصور والوثائق السرية والشهادات المرتبطة بنتائج القصف ومخلفاته على الانسان كما على الطبيعة بعد اكثر من نصف قرن على وقوعها... فبعد اسابيع معدودة على اختبار الولاياتالمتحدة اول قنبلة ذرية في صحراء نيومكسيكو كان الرئيس الامريكي هاري ترومان يصدر اوامره بالقاء ما اصطلح انذاك بتسميته بقنبلة "الفتى الصغير" على مدينة هيروشيما اليابانية في السادس من شهر اوت 1945 ليتكرر القصف بعد ثلاثة ايام على مدينة نغازاكي ويؤدي الى ابادة الآلاف من اليابانيين دون اعتبار لما سببه القصف من خراب ودمار ومن تشوهات واعاقات وجروح ابدية كانت ولاتزال تشهد على فظاعة ما توصلت اليه جهود الانسان في مختبرات صنع القنبلة الذرية وصناعة الموت والخوف... وبعيدا عن العودة الى اثارة الجدل المستمر حول الاسباب التي دفعت الادارة الامريكية انذاك الى العودة لقصف نغازاكي بعد ثلاثة ايام على قصف هيروشيما فان الاكيد ان ما حدث كان فاتحة الصراع من اجل الحصول على سلاح الردع النووي في كل من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا ويمتد الى اسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية فيما بات سباق المشاريع النووية السلمية مفتوحا على مصراعيه في منطقة الشرق الاوسط ودول الاتحاد السوفياتي السابقة كما في عديد الدول الاخرى... ولعله من المفارقات الحاصلة ان نهاية الحرب الباردة لم تكن لتضع حدا لسباق التسلح كما كان متوقعا بل يبدو ان ذوبان الجليد بين موسكو وواشنطن ادى الى عكس كل التوقعات مع تفاقم التكالب على سباق التسلح خلال اكثر من عقد... واذا كان قصف هيروشيما ونغازاكي قد كشف للعالم ما يدعو لضرورة وقف سباق التسلح النووي فيه فان في ما حملته بعض الحوادث مثل حادثة تشرنوبيل او كذلك الانفجار الاخير الحاصل في اكبر محطة نووية في اليابان لتوليد الطاقة الكهربائية ما يدعو قادة العالم واصحاب القرار فيه والمستثرين من صفقات السلاح الى توخي منطق الحكمة والتعقل في تنظيم الحوار من اجل عالم خال من الاسلحة النووية وغيرها من الاسلحة المدمرة بما في ذلك الاسلحة المتطورة والقنابل الذكية المحظورة التي توازي القنبلة الذرية في قوتها والتي استعملت في قصف مدنيين في العراق وافغانستان وخلال حرب الصيف الماضي على لبنان بما يمكن ان يساعد على انقاذ البشرية وتجنيبها المزيد من الكوارث والمصائب بسبب انتشار السلاح فيه... ولعل في نجاح اليابان بعد التجربة التي مني بها وبفضل اعتماده دستورا سلميا وتخلصه من الرغبة في الهيمنة والتوسع العسكري في تبوؤ مكانة اقتصادية وتكنولوجية وديبلوماسية مميزة على الساحة الدولية ما يؤكد ان السلاح والقوة العسكرية ليسا دوما الطريق الافضل للنفوذ والزعامة والهيمنة...