تونس الصباح زواج الرياضيين موضوع في ظاهره بسيط، ليست له اهمية كبرى لكنه فعليا وعمليا جانب مهم من حياة الرياضيين وعامل مساهم في نجاحهم او فشلهم. نظرة سريعة على مردود الرياضيين التونسيين، لاعبو كرة القدم منهم بالخصوص، وعلى سلوكهم داخل الميدان وخارجه تعطينا فكرة عن الفرق بين اللاعب الاعزب والمتزوج. لنبدأ بالتذكير بحقيقة معروفة وهي ان الرياضيين التونسيين، وفي غياب المستوى العلمي والثقافي والتأطير والتوجيه، سرعان ما يغرهم ما يجنونه في مدة قصيرة من ملايين وشهرة فينساقون وراء اهوائهم واغراءات النجومية ويستغلون صمت المجتمع حيال تصرفاتهم وتقرب الناس لهم ليفعلوا ما يحلو لهم ويعيشوا، خارج ميادين اللعب، حياة الملوك سهرا وترفا ومغامرات عاطفية وجنسية. هؤلاء «النجوم» الذين صنعتهم، في اغلب الحالات الصدفة والظروف والعلاقات، وقد ينجحون في الافلات من عيون الفضوليين والصحافة وفي «لملمة» المشاكل والفضائح التي قد تحصل لهم في الشقق الفخمة التي يسكنونها او العلب الليلية التي يرتادونها، لكن ليس بامكانهم تفادي تبعات نسق الحياة هذا على مردودهم الرياضي. ولئن جرت العادة ان يتداول الرأي العام ووسائل الاعلام تجاوزات لاعبي كرة القدم اكثر من غيرهم من الرياضيين في اختصاصات اخرى، فان المجال يضيق بذكر العشرات من الامثلة واسماء اللاعبين «المتورطين» في فضائح سكر او مخدرات او حوادث مرور او قضايا عنف او شيكات او غيرها. لكن الغالبية الكبرى من هذه الحالات تشترك في ان اصحابها سواء تعودوا بهذه السلوكات ام لا، هم من غير المتزوجين. وقلة هم الرياضيون الذين فهموا ان نجاحهم وتميزهم وديمومة ممارستهم للرياضة مرتبط بدرجة كبرى باستقرارهم الاسري والنفسي والزواج هو، طبعا، احد العوامل المهمة في تحقيق الاستقرار والتوازن وان ليس هو الوحيد. وكم من لاعب تغير مردوده وسلوكه جذريا بعد زواجه وكم تساءل الجمهور والملاحظون عن سر هذا التغيير الايجابي لعدم معرفتهم ان احد اهم اسبابه هو تغير عقلية اللاعب الذي اصبح مسؤولا عن عائلة ومجبرا على تحسين سلوكه لكي ينتظم مردوده ويتحسن اداؤه فيكسب مزيدا من الاموال. سلبيات الزواج غير المتكافئ ويرى الاخصائيون وحتى الرياضيون الذين التقيناهم في هذا التحقيق ان الزواج لمجرد الزواج قد يكون له عواقب سيئة على الرياضي ان لم تتوفر فيه شروط اساسية اهمها التفاهم والتكافؤ المادي والثقافي والنفسي. ومثلما هو الحال لدى مختلف الشرائح الاجتماعية، قد ينتهي هذا الزواج غير المتكافئ الى الطلاق او الى الادمان او حتى الانحراف وفي عالم الرياضة في تونس، لم يكن الزواج دوما ناجحا لذلك لم تخل رياضتنا من حالات الزواج الفاشل. وهذا ما يجرنا الى الحديث عن احاطة الرياضيين الشبان بأخصائيين اجتماعيين ونفسانيين لنصحهم وتوجيههم وحتى مساعدتهم على اختيار شريكهم في الزواج والوقت المناسب لذلك. وهذا الجانب من اهم الفوارق بين رياضيينا ونجوم الرياضة في اوروبا مثلا اذ يجهل كثيرون ان نجوما قيمتهم بالمليارات (كاكا بيكام راؤول مالديني ريبيري وغيرهم من نجوم كرة السلة الامريكية وسباق السيارات والملاكمة المحترفة..) متزوجون منذ سن مبكرة كما يعود تألقهم وخصوصا استمرار نجاحهم الى حد بعيد الى استقرارهم العائلي (باولو مالديني اعتزل في سنة 42 عاما ومحمد ابوتريكة كثيرا ما تحدث عن اهمية الزواج في نجاحه). ما رأي المدربين؟ نبيل الكوكي، المدرب المساعد الحالي واللاعب السابق بالنادي الافريقي، كان من اكثر لاعبي كرة القدم في تونس انتظاما في المردود وجدية وحسن سلوك داخل الميدان وخارجه. ويرى الكوكي في هذا المجال ضرورة ان يكون اللاعب «ناضجا» عند الزواج ويفسر ذلك بأن يكون له «الاستعداد النفسي قبل الاستعداد المادي للزواج فالزواج لمجرد الزواج قد تكون سلبياته اكثر». ويوضح الكوكي: «الزواج قد يكون أحيانا سلبيا لان اللاعب لم ينضج بعد ولان الرياضي بامكانه استغلال سن الشباب لمزيد كسب الخبرة في الحياة ولاثراء شخصيته قبل التفكير في الزواج». ويضيف: «ايجابيات الزواج معروفة واهمها ان الرياضي المتزوج يعطي اكثر ويفكر احسن ويحقق الاستقرار الذي يساعده على النجاح في مسيرته الرياضية». اما علي الكعبي، اللاعب الدولي السابق والمدرب حاليا، فيقول ان «الاستقرار مهم جدا للرياضي وفوائده اكثر واهم خصوصا في حالة التكامل بين الزوجين اي حين تكون الزوجة متفهمة لطبيعة عمل زوجها وتهيئ له كل الظروف ليكون مرتاحا في بيته». ويستدل الكعبي، وهو احد صانعي ملحمة الارجنتين في 1978، بعالم الكرة المحترفة حيث، حسب رأيه «يدفعون اللاعب للزواج حتى يستقر ذهنيا ونفسيا لان نسق المباريات والتنقل المستمر من بلد لاخر ومن فريق لاخر طوال مسيرته يتطلب راحة وهدوءا وزوجة متفهمة تساعده على مواجهة متطلبات الاحتراف». اما سلبيات الزواج فيرى الكعبي انها تهدد الرياضي «في حالة عدم تفاهم الشريكين او غيرة الزوجة من شهرة زوجها ونجاحه وهو ما يؤثر على نفسيته فيصبح متوترا وسريع الغضب وينعكس على مردوده الرياضي» ويضيف في هذا السياق: «عديد اللاعبين لم ينجحوا في مسيرتهم بسبب مشاكلهم الزوجية ومنهم من وصل حد الطلاق». الاوجه الثلاثة للزواج الناجح منعم عون، مدرب كرة السلة واللاعب السابق في هذه الرياضة، يؤكد على ان عدم التكافؤ في الزواج من اهم المخاطر التي تتهدد الرياضيين الشبان وهذا الامر، كما يقول، «صحيح حتى خارج عالم الرياضة». لكن عون يشدد على ان الزواج المدروس والناجح «مفيد جدا وقد وقفت على ذلك في تجربتي في التدريب» ويرى ان الزواج الناجح له ثلاثة اوجه: 1 تنظيم نسق حياة اللاعب: ان استرداد القوى (récupération) مهم جدا للرياضي خصوصا في المستوى العالي والجو المريح والزوجة المتفهمة تساعد كثيرا على ذلك 2 الطموح: على عكس الرياضي الاعزب الذي لا يهتم بتوفير الاموال ويبذر ما يكسبه كيفما يشاء، يجد الرياضي المتزوج نفسه امام مسؤولية التفكير في عائلته (الشريك والابناء) وفي تحسين ظروف عيشهم والتفكير فيما بعد مسيرته الرياضية. هذا الاحساس بالمسؤولية هو الذي يدفعه الى التدرب بجدية حتى لا يخسر مكانه بالفريق وحتى يتطور مردوده فيلعب باستمرار وترتفع اسهمه ويكسب مزيدا من الاموال. 3 الاحساس بالمسؤولية: يصبح الرياضي بعد الزواج اكثر جدية واكثر تركيزا في التدريب واللعب واكثر عقلانية في التصرف في حياته الخاصة والرياضية. «وهذه الصفات هي ما نحتاجه لدى الرياضي المحترف» على حد تعبير منعم عون.