تونس الصباح "مشمش بلا سكريات.. بطيخ ماسط.. فراولو شديد الحموضة.. دلاع غير حلو المذاق..." هذه هي العبارات التي تسمعها من قبل المواطنين وأنت تتجول في أسواق الخضر والغلال.. وقد لا يقف الامر عند هذا الحد، بل بات المواطن لا يتوان في مد يده، ويعمد إلى تذوق هذه الغلال أو تلك قبل شرائها.. وذلك للتأكد من حلاوتها والسكريات المتوفرة فيها. ومقابل هذا لا يتوانى التجار عن رفع عقيرتهم بالصياح قائلين "أيجا منا ذوق البنة".. "بطيخ عسل فوق الرمل".. "دلاع بالموس".. هذا هو المشهد الذي يبدو لك كلما دخلت أسواق العاصمة في مثل هذه الايام، وهممت بشراء البعض من الخضر والغلال. فما هي الاسباب التي أدت إلى بروز هذه المظاهر، ولماذا بات المواطن يدقق في مذاق الغلال على وجه الخصوص قبل شرائها، ولم تعد تغريه مظاهرها وألوانها الجذابة؟ هل أن هذا يعود إلى إمعان الفلاحين في استعمال الاسمدة الكيميائية، والتصرف فيها بجهل في مجال استعمالها، أم أن الامر يعود للتقلبات المناخية؟ ثم لماذا لا تقع العودة إلى التسميد البيولوجي المعروف في بلادنا في العشريات الفارطة؟ وماذا عن مستوى الفلاحة البيولوجية وانتاجها وهل يستهلك هذا الانتاج محليا أم أنه يبقى معدا للتصدير بفعل الاقبال عليه وغلاء أسعاره؟ لقد ورد في دراسة حول "اسرار المنتوجات البيولوجية" أنه بات في يومنا هذا غير خفي مدى انتشار واتساع استعمال المواد الكيميائية في الزراعات، وذلك بما تشمله من أدوية وعقاقير خاصة بالقطاع الفلاحي وعلى أوسع نطاق داخله في معظم مجالات الانتاج. وأشارت الدراسة أنه قد رافق هذا التوجه الحاصل منذ سنوات، ومنذ تحمس العديد من المستهلكين ومن بينهم بعض العلماء والمفكرين إلى ضرورة العودة إلى الطبيعة في مجال إنتاج غذاء الانسان وتصنيعه، وذلك كأسلوب آمن للتقليل من مخاطر استعمال المواد الكيميائية وانعكاساتها على الانتاج من حيث نكهته ومذاقه اللذين فقدهما وراء العمل بكل السبل على وفرة الانتاج والتكالب عليه. فهل بالامكان العودة إلى الفلاحة البيولوجية القائمة على السماد الطبيعي؟ ماذا عن مستواها الان في تونس ورقعة الاراضي الزراعية ضمنها. وهل بالامكان العودة إلى تعاطيها كأسلوب فلاحي أساسي في الانتاج؟ وماذا عن مستوى عرضها بالاسواق الداخلية للبلاد؟ مساحات الانتاج الفلاحي والتسميد جاء في الدراسة أن تطبيق مفهوم الاغذية الطبيعية أو البيولوجية، يعني ببساطة الامتناع طوعا عن الاستفادة من بعض المزايا ، التي من المفترض الحصول عليها باستخدام بعض الاسمدة أو الادوية أو الهرمونات أو المبيدات وغيرها من الابتكارات الحديثة التي تغزو العالم اليوم. وهذا أمر يصعب تحقيقه في توتس، على أساس أن مجمل هذه الاسمدة الكيمائية تجلب من الخارج، وتستعمل بشكل واسع وفي كل مجالات الانتاج تقريبا سقوية كانت أو بعلية، متصلة بمساحات كبرى أو تقليدية صغيرة. كل هذا قد أدى إلى استعمالها من قبل الفلاحين مهما كان مستوى انتاجهم والمساحات الفلاحية التي يتصرفون فيها، وقد زاد في فرض هذا الاستعمال والاقبال عليه السبق إلى السوق، وتطوير مستوى الانتاجية على وجه الخصوص. أما عن خصوصيات وأماكن الفلاحة البيولوجية المعتمدة في تونس، ومستوى انتاجها، فيشار إلى أنها تبقى مجالا محدودا لا يتعدى نسبة 3 في المائة من المساحات الزراعية، وهي تقوم في بعض الجهات مثل واحة قابس، وشنني، وأيضا ببعض مناطق وواحة ولاية توزر، وقبلي، وأيضا في مجال بعض أنواع الغلال والثمار بجهة صفاقس. ويشار أنه على العموم يبقى إنتاجها محليا، وغير قابل للتسويق بشكل واسع، ايضا غير مستقر من حيث الانتاج على أساس أنها تعتمد في باب أول على ما يسمى بالزراعة البعلية. كما تفيد مصادر فلاحية مطلعة أن هناك جملة من التجارب التي تجرى في تونس بخصوص الفلاحة البيولوجية، وخاصة في مجال إنتاج أنواع من الخضروات مثل البصل الاخضر والفلفل والطماطم على وجه الخصوص، وبعض البقول البعلية مثل الحمص واللوبية والعدس، لكن كميات الانتاج تبقى محدودة، وهي إما تستهلك في جهات انتاجها، أو تكون معدة للتصدير كليا. وبشكل عام يشار إلى أن الانتاج البيولوجي الفلاحي يبقى باهظ الثمن والمغريات حول تصديره كثيرة بفعل اهتمام الاسواق العالمية به، والسعي إلى الالتفاف عليه بأثمان خيالية، وهذا ما يجعل حتى الكميات المنتجة منه رغم محدوديتها لا تروج في الاسواق التونسية الداخلية. إن تذمرات المستهلك المتزايدة وقلقه الشديد من الاخطار المرتبطة بالطرق الحديثة للزراعة وأيضا الصناعة الغذائية، ليست وليدة الصدفة، أو هي مجرد ردة فعل مؤقتة سرعان ما ستزول، بل إن ذلك مبني على حقائق لعل أهمها وبشكل بسيط يدركه الجميع هو ما يعرض عليه من غلال التي لا مذاق ولا طعم لها. وهذه التشوهات التي لحقت ببعض أنواع الثمار على مستوى مذاقها، وأحجامها غير العادية، وأحيانا ألوانها، باتت من المسائل التي يستريب منها المواطن، وتجعله يحجم عن شرائها. ولعل هذا الجانب يبقى ملفا كبيرا مفتوحا أمام المنتجين الفلاحيين، وسلط الاشراف لمعالجة هذا الجانب قبل فوات الاوان.