لم تكن يوما سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في نهجها وممارساتها العنصرية بمنأى عن أفكار وإيديولوجية المؤسسين الأوائل للفكر الصهيوني القائم بالأساس على فكرة «شعب اللّه المختار» و«العرق البشري الأرقى» الذي برّر لاحقا عمليات القتل والتجهير كما حدث في جنين وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة... والقائمة تطول على فظاعة ما ارتكبته عصابات «الشتيرن» و«الهاغانا» والأرغون في حق الفلسطينيين منذ النكبة إلى اليوم. عمليات القتل الممنهجة و«الموت الرحيم» الذي يستمر الاحتلال الاسرائيلي في ارتكابه بحق شعب فلسطين تذكرنا بما اقترفه بول بوت والخمير الحمر ضد الكمبوديين... ابادة حوالي 2 مليون شخص أي ثلث السكان تقريبا كما يذكرنا بمأساة الهنود الحمر في أمريكا وما تعرضوا له من طرف الانقلوسكسونيين حيث أبيدت نحو 400 ثقافة مختلفة وراح ضحية هذه الأفكار العنصرية ملايين البشر في أوسع عملية إبادة ممنهجة عرفها التاريخ. في الواقع ان مثل هذه الافكار العنصرية هي صميم ما يؤمن به اليمين الاسرائيلي اليوم، الذي يصر على تحقيقها مستوحيا ذلك السلوك من مقولة «سر في طريقك ولو كان طريقك معبدا بالجماجم» غير عابئ بحقائق التاريخ ولا بنداءات كل محب للسلام، همّه الوحيد أن القدس هي حلم الأجيال اليهودية ولن يتراجع عنها لأنها في تصوره عاصمة إسرائيل الابدية غير القابلة للتفاوض، وغير القابلة لأية تسوية مع الفلسطينيين مع مواصلة رفض حق العودة بالنسبة لللاجئين الذين هجروا عنوة من ديادهم. واضح إذن ان ناتنياهو وليبرهان ماضيان قدما في الاستيطان وتهويد القدس وتدنيس المقدسات الاسلامية والمسيحية رغم كل الضغوط الدولية وهو تعنت ينهل من فكر عنصري، لم يتغير ولم يؤمن يوما بالسلام وارجاع الحقوق الى اصحابها والكف عن الممارسات اللاإنسانية والاجرامية في حق الفلسطينيين. ان مضي اسرائيل في نهجها الاستيطاني وتدنيس المقدسات، وتهويد القدس لفرض واقع جديد على الارض يتطابق تماما مع حلم المفكر الصهيوني تيودور هرتزل القائل: «إذا حصلنا يوما على القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل ما هو غير مقدس لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون». الأكيد أن مثل هذه الأحلام الاسرائيلية سوف لن تتحقق طالما هناك ممانعة فلسطينية لأنه ما أن وجد احتلال الا وقامت مقاومة فالحقوق العادلة لا تضيع مهما تطرف الاحتلال ومهما كانت خلافات الفلسطينيين وضعفهم اليوم.