تونس الصباح محمد، الياس، نبيل، اسماؤهم عربية ولئن كانت عربية الا انها في الاخير فرنسية أو ألمانية.. هؤلاء هم شباب تونسيون يعيشون بالخارج يقدرون حسب ديوان التونسيين بالخارج ب25% من جملة اكثر من مليون مهاجر منهم 82% يقطنون بأوروبا حيث توجد لغة اخر وثقافة مختلفة وربما وطن «يأسرهم» هناك فتنقطع بذلك كل الحبال التي تربطهم بوطنهم الاصل. كانت نواقيس الخطر قد دقت مع مؤشرات ظهرت في سلوكات الجيل الثاني ليبدأ هاجس الانفصال عن الوطن الأم ينمو سنة بعد سنة مع الجيل الثالث الذي اصبح الأمر عنده مطروحا بشكل ملح. كان عماد ابن السيد فرج في صغره لا يمانع في العودة الى الوطن لكن والده يقول انه «اصبح الان يرفض العودة الى تونس خاصة بعد وفاة جده الذي كان يحبه ويرغب دائما في رؤيته». وهذا حال الكثير من الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و20 سنة اذ يعتبر السيد سعيد اولاد عبد الله (مختص في علم الاجتماع) ان علاقتهم بأسرهم الموسعة هشة اذ لا تكفي بعض الايام في العطلة لربط صلة وثيقة مع اهاليهم وابناء وطنهم. ورغم ان خدمات الاتصالات الحديثة متوفرة لكن بدورها تبقى وسيلة الطمأنة لا غير. وربما قصة الاخوين فيصل وباديس خير دليل على هشاشة هذه العلاقة مع الأهل فبمجرد وصولهما سرعان ما يشعران بالملل اذ يقولان انهما يحسان ب«الغربة» في تونس وليس في بلد الاقامة لذلك يغادران على عجل كأنهما هاربان من عقاب. وفي مقابل ضعف الارتباط مع الجذور التونسية فان هؤلاء الشباب يرتبطون بدرجات متفاوتة بالمجتمعات التي يقيمون فيها خاصة لقضاء العطلة او البقاء للعمل. كما يذكر الياس عن اخيه البالغ من العمر 19 سنة والذي رفض المجيء بسبب حصوله على عمل مربح في مكان اقامته بكندا وهو يرفض العودة منذ 3 سنوات.. بل يؤكد اخوه انه حتى اثناء العطل يفضل زيارة اماكن جديدة بكندا. وحسب الدكتور بالعيد فان عديد الاسباب تتضافر لقطع هذه الروابط بين التونسيين بالخارج ووطنهم الاصل ليصل الى نتيجة يسميها «الانبتات». ولعل ابرز المشاهد التي تترجم حالة عدم الرغبة في العودة الى تونس تلك التي يلاحظها الزائر للموانئ المخصصة لاستقبال المهاجرين اذ يطغى الكهول وصغار السن على جموع الوافدين وقلما نشاهد شبابا من الجيل الثالث. حبال تتقطع يعتبر عديد المختصين ان اللغة العربية هي همزة الوصل بين التونسي بالخارج ووطنه فمن خلالها يتواصل مع غيره من ابناء وطنه فكلما استطاع ان يحافظ على لغته استمر تواصله مع تونس. لكن ارقام عديدة تعكس عدم اهتمام هذا الشباب بمفتاح التواصل اذ من بين آلاف الشباب نجد 100 منهم فقط حضروا لتعلم هذه اللغة بمعهد بورقيبة للغات الحية في هذه الصائفة. وربما تفطن أحد الأولياء لهذا المشكل فأخذ ابنيه منذ الصغر الى المدرسة الصيفية بباردو لكن يؤكد المعلم المشرف هناك ان الاطفال لا يرغبون في البقاء لان الصيف ببساطة فرصة للترفيه. ولعل العربية ليست الحبل الوحيد الذي تقطّع اذ من المعروف ان الجيل الاول واغلبية الجيل الثاني يجتمعون خارج الوطن للتعارف ولربط الصلة مع وطنهم خاصة وان أكثرهم يحمل حنينا كبيرا الى كل ما هو تونسي.. لكن يؤكد الدكتور بلعيد ان «الجيل الثالث له الحرية الكاملة في ترك منطقة الاقليات المهاجرة مثله ليختلط باغلبية سكان بلد الاقامة وهو ما يلخصه الدكتور بقوله «انه مشكل تحديد الهوية الذي يواجه هذه الأجيال». محاولة «التونسة» يؤكد مصدر في ديوان التونسيين بالخارج ان الهياكل الرسمية المعنية بالمهاجرين توقن جيدا مدى خطورة المشكل لذلك تقوم سنويا ببرامج تستهدف استقطاب هذه الفئة من الشباب. ولا يقتصر الامر على متابعة هؤلاء في بلد الاقامة من خلال ارسال ملحقين اجتماعيين الى المراكز الديبلوماسية والقنصلية اضافة الى ست عشرة دارا للأسرة تنشط في هذا المجال تتم المتابعة حتى اثناء عودتهم الى تونس. اذ ينظم الديوان سنويا رحلات اصطياف الى كامت تراب الجمهورية مثل رحلة انطلقت هذه الايام الى مناطق ساحلية تضم الطلبة الذين يدرسون اللغة العربية بمعهد بورقيبة للغات الحية وتؤكد لينا وهي احدى المشاركين وهي مقيمة في بلجيكا «انها سعيدة بمشاركتها في التجول في مناطق تونسية هي لا تعرفها اذ معلوماتها عن تونس قليلة جدا لان زياراتها ليست كثيرة الى وطنها الاصل». وتعتبر هذه الرحلات جسرا لتعريف هؤلاء بوطنهم ورغم هذه البرامج يؤكد الدكتور بالعيد «ان ما يقوم به ديوان التونسيين بالخارج لا يمكن ان يحقق نتائج مرجوة فهو بحاجة الى دعم أكبر». لذلك قامت عديد المبادرات الخاصة او غير الحكومية خاصة العمل الجمعياتي حيث صار عدد الجمعيات التي تعنى بالمهاجرين عموما 556 جمعية حسب احصائيات ديوان التونسيين بالخارج منها 75 جمعية تهتم بالأجيال الجديدة. ويؤكد مصدر في ديوان التونسيين بالخارج ان جمعية «باسرال» (passerelle) المتوسطية من ابرز هذه الجمعيات حيث تحصلت الاذاعة التابعة لهذه الجمعية على جائزة احسن اذاعة كرّست الحوار مع الشباب في الخارج لسنة 2008. وتعنى الجمعية بربط الصلة بين الفئات الشبابية فالخارج وبلدهم عبر مساندة الديوان في برامجه والاقتراب من مشاكل الجيل الثالث للهجرة. وتعكس اذاعة هذه الجمعية جدية العمل فيها من خلال اثراء محتوياتها بتقديم برامج ذات طابع تونسي ولها مراسلون في عديد البلدان. ربما تحاول الدولة والجمعيات لملمة الجراح التي ظهرت في جسد العلاقة بين التونسيين الشباب المهاجرين لكن لا يزال الجرح عميقا ويستحق مزيد التفكير.