تونس الصباح: شهادة تاريخية نادرة ادلى بها المناضل عبد الستار الهاني على منبر الذاكرة الوطنية بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات وتحدث فيها عن الشيخ حسن العيادي وعن «صباط الظلام». وتعميما للفائدة وارواء لعطش المهتمين بتاريخ تونس المعاصر تنشر «الصباح» ملخصا لهذه الشهادة املة ان تكون الخلاصة وفية للنص الاصلي مرضية للمناضل الذي عاش اياما عصيبة من الرعب في صباط الظلام.. علما وان مؤسسة التميمي ستتولى قريبا نشر النص الكامل لهذه الشهادة... في تعريف بالمناضل عبد الستار الهاني ذكر المؤرخ عبد الجليل التميمي ان هذا الرجل ينتمي الى عائلة ذات وجاهة وثراء وهو من مواليد سنة 1924 بدشرة القنارة بسليانة.. وانتقل سنة 1938 الى العاصمة للدراسة بجامعة الزيتونة حيث تحصل على شهادة الاهلية والتحصيل وعلى الجزء الاول من شهادة الحقوق.. وفي سنة 1949 نجح في خطة مدرس بجامع الزيتونة ثم انصرف الى النضال الوطني في اطار الحزب الحر الدستوري الجديد وكان من المتعاطفين مع صالح بن يوسف خلال فترة الصراع اليوسفي البورقيبي ثم حوكم ضمن مجموعة المحاولة الانقلابية لسنة 1962. تحدث المناضل عبد الستار الهاني عن المقاومة في جبل برقو وعن دعمه للثوار وعن لقائه الاول مع القائد حسن العيادي ثم المواقف التي تدل على ان هذا الرجل عمل على ابتزازه وابتزاز عائلته والكثير من العائلات المرفهة في سليانة بتعلة تموين المقاومة.. وقال المناضل عبد الستار الهاني: «لما قامت الثورة المسلحة بالجنوب والوسط التونسيين.. كنا في اشد الشوق الى رؤية الثوار.. فكان جديدا او مذهلا ان يحمل التونسي سلاحا جهارا نهارا في وجه المستعمر ولا يقبض عليه في لحظات.. فكرت في الاتصال بهم عند اصدقائي بالحفي وسيدي بوزيد.. وعندما حانت العطلة الصيفية رجعت الى القنارة بسليانة وانا مشغول بالموضوع والترتيب له في سرية». وبين الهاني «انه تم اللقاء ذات ليلة قرب منزل العائلة بالقنارة ورتبنا فيه طرق مدهم بالمؤونة وما قد يجمع من الاسلحة.. وتطرق المناضل في شهادته الى بعض المواقف التي جمعته بحسن العيادي القائد الاعلى لثوار برقو وجبل السرج ومن هذه المواقف انه التقاه في بيته بالعاصمة وكان معه المطوسي وعمر ورغان او وزغان فقد نسي اللقب لكنه يذكر انه من منزل بورقيبة وحضر اللقاء المرحوم عبد الحميد الهاني شقيقه والشيخ عبد القادر زروق وهو اصيل سليانة ويعيش بالعاصمة والمرحوم الطيب غرسة.. وتوزع يومها الحراس بالحديقة وشرفة المنزل وهم على اهبة الاستعداد لحماية العيادي.. وكان الهدف من اللقاء تباحث كيفية تمويل الثورة.. وعين الهاني يومها عشرة اشخاص ممن يؤتمنون على السر ويقدرون على تمويل الثورة دون حاجة الى غيرهم.. وقال الهاني «وتم تمويلهم بانتظام عن طريق الجامعة الدستورية بسليانة وكان شقيقي عبد الحميد الكاتب العام للجامعة».. وروى الهاني موقفا اخر جمعه بثوار برقو.. حيث استشاره القائد المحلي للثوار بهذا الجبل في امر محمد مزالي وهو شقيق محمد صالح مزالي وكان واليا بسليانة واقام استقبالا جيدا للجنرال دي لاتور في وقت اعطى في الحزب تعليماته بالمناداة عند استقباله لاستقلال تونس.. لكن مزالي اطرد قائد الشبيبة الحزبية محمد بن عباس ولطمه على وجهه.. وطلب قائد الثوار المحلي بجبل برقو من عبد الستار الهاني «ماذا سيفعل مع محمد مزالي» فقال له الهاني «انني ارى ان تتجنبوا الحلول القاسية وان تعمدوا الى تهديده وتعنيفه ثم تركه لابنائه». وتحدث الهاني عن موقف اخر جمعه بالقائد الاعلى للثوار ببرقو حسن العيادي المستقر بتونس ومؤسس صباط الظلام. وذكر انه ارسل له عونه الطاهر بوطبة الى مدرسة بن عبدالله ليلقاه ببطحاء نهج الجزيرة فلما ذهب وجد معه مجموعة من حراسه فسأله عند محمد الاخضر بن عطية فاجابه الهاني «انه كان عضوا بالمجلس الكبير واشتهر بحبه للعلم وتبرعه للمعاهد من ذلك مدرسة البنت المسلمة والحي الزيتوني ومدرسة النصر بسليانة بمبالغ لا تقل عن ألفي دينار لكل مؤسسة.. فلما سمع كل هذا طلب منه العيادي ان يتصل بهذا الرجل ويطلب منه التبرع للثوار بأربعمائة دينار لشراء سيارة لنقل اعضاء الحركة.. لكن الهاني ارتاب في امره وطلب منه ان يتصل بابنه الهادي بن عطية فهو فلاح يقيم بالربع (برقو) اغلب الاوقات وان يطلب منه الاتصال بوالده لامداد الثورة بما تحتاجه وان الثورة ستحصل على اضعاف ما تطلبه منه.. ففعل العيادي ذلك. المنعرج التاريخي تحدث المناضل حسن الهاني عن الطور الثاني من علاقته بحسن العيادي سواء ما حدث له عند اعتقاله بصباط الظلام او في بئر الطراز او في منوبة عند علي بن سالم ثم اطلاق سراحه.. وقال الهاني «لما سلم الثوار اسلحتهم بموجب الاتفاق بين الحكومتين الفرنسية والتونسية على ملف المقاومين المبرم في 20 نوفمبر 1954 ظننت ان موضوع الثورة قد انتهى ولكن بلغني ان حسن العيادي يرغب في مقابلتي».. وهو ما كان.. «حلت سيارته وبها السائق ومرافق في الامام وشخصان يجلسان في المقعدين الخلفيين وجلست انا في الوسط وجلس الثالث على ركبتي واخذتني المجموعة الى صباط الظلام وهناك انزلت وادخلت الى القسم الخلفي من المخزن في حالة شديدة من الروع والانفعال.. جلست على مقعد خشبي وتركت كذلك غير ان الذي راعني هو بعض اصوات وانين من كانوا يتعرضون للتعذيب حينها هناك وانتبهت الى ان احدهم كان يضرب ويصيح وتأكدت أنه محمد الزراع وانقضى الليل كذلك.. ومن الغد دعاني حسن العيادي الى مكتبه الموجود على اليسار وسألني عن صلتي ببعض من حل بسليانة من المقاومين وهو سؤال تمويهي لا علاقة له به ثم قال لي انه عجل بالقبض علي خوفا من ان يقبض علي غيري ممن لا يعرفون تضحياتي.. ولما سمعت ذلك اطمأنت نفسي بعض الشيء ثم ارجعت الى مقعدي دون ان اتعرض الى الضرب او غيره من الاهانات». قتل وتعذيب واضاف الهاني ملمحا الى قتل شخص يدعى سعيد دبيش في صباط الظلام: «في اليوم الثاني بصباط الظلام.. كنت جالسا على المقعد الخشبي بعد ان غشيني النعاس عند غروب الشمس.. وافقت وانتبهت الى وجود سعيد دبيش وكان خليفة بمركز الربع (برقو).. غشيني النعاس مرة اخرى ولما افقت لم اجده ومنذ ذلك الحين لم يظهر له اثر حتى ان اقاربه ظلوا يبحثون عنه ويتوسطون للحصول على جثته دون جدوى». وقال الهاني «في اليوم الثالث دعيت انا ومحمد الزراع ومحسن دبيش المقبوض عليه هو ايضا وهو من اقارب سعيد دبيش للمغادرة وتمت تغطية وجوهنا.. ولما سلكنا الطريق كنت استغفر واودع الدنيا معتقدا انه سيتم التخلص منا.. وتواصل السير وكانت اصوات العمران تتناهى الى اسماعنا مرات ثم تبتعد اخرى واخيرا تم انزالنا في مكان وانني مازلت اذكر كيف انني كنت انتظر انطلاق الرصاصة في اية لحظة حتى داخل المحل الذي نزلنا به.. ثم ازالوا الغطاء عن اعيننا فاذا بالمحل يتكون من غرفتين ويقع قبالة بئر الطراز برادس.. ادخلونا الى غرفة لا اثاث فيها ولا فراش ووجدنا الحارس احمد بن نصير التليسي»... واضاف «وكان حسن العيادي يحل بالغرفة المقابلة من حين الى اخر ويحقق مع المقبوض عليهم واحيانا نسمع بعض الصراخ واظن انه شيء من الجلد والضرب يمارسه السائق الذي رافقه على الموقوفين.. وذات يوم تعرفت على احد المقبوض عليهم وهو احد اجواري بسليانة ولا علاقة له بالنشاط السياسي ولما سأله الهاني عن امره قال له جاره انه قبل ان يقع خطفه اخذ معه مبلغا قدره خمسة وتسعون دينارا.. وان العيادي تسلمه منه كاملا.. واعلمه انه خطف لان هناك من الاجوار الذين يتنازعون معهم على قطعة ارض وشى به الى العيادي تنكيلا.. ولكن ماذا عن احمد التليسي؟ عن هذا السؤال اجاب الهاني انه كان ذات يوم متكئا مع محسن دبيش والحفناوي واحس دبيش بالتعب فجلس ثم جلس هو والحفناوي.. «وكان التليسي يعالج رشاشه المحشو رصاصا وبمجرد جلوسهم انطلقت من الرشاش رصاصات لتستقر حيث كانت رؤوسنا متكئة ولولا الطاف الله لسقطنا قتلى في الحين وغير هذه العملية كانت مواقفه معنا عادية.. ابتزاز واضح قال المناضل عبد الستار الهاني انه في اليوم الحادي عشر من ايقافه بصباط الظلام وبئر الطراز دعي للركوب منفردا في السيارة التي انطلقت به نحو مدينة تونس فغمره شعور بالرعب من جديد وظن ان موعد تصفيته قد حان.. وبقي على هذا الحال الى ان تجاوزت السيارة مدينة تونس متجهة نحو باردو ثم منوبة.. «وهناك ادخلت محل وجدت فيه صاحبه علي بن سالم المشهور بكنية البوليس.. وهناك وجدت صهري عبد الستار بن عبد الملك الذي اعتقل بصباط الظلام وعندما علم بن سالم بخبر اعتقاله اقترح على العيادي نقله الى محله بمنوبة.. وهناك وفي اجتماع بحضور الشيخ حسن العيادي، احتج هذا الاخير علينا وقال اننا لم نعنه على مصاريفه بصباط الظلام فأجبناه بأن طريقته في الاعتقال والترهيب كانت السبب وفي اليوم الثالث بمحل علي بن سالم جاء اخي ودفع مائة دينار ودفع الشيخ عبد الستار بن عبد الملك مائة وخمسين دينارا وتعهد بالمزيد.. وفعلا صاروا يتصلون به بسليانة ويتسلمون الاموال والحبوب واطلق سراحنا».