تونس الصباح نشرت صحيفة «السفير» اللبنانية في عدد أمس الأول مقالا من مراسلها بدمشق عنوانه «هذا شيء خطر.. هذا اسمه استشراق» عرض فيه لما جاء على لسان الملحن المبدع، ابن الرحابنة والسيدة فيروز، لاستاذ زياد في حديث أدلى به للتلفزة الرسمية السورية.. في الحديث أكثر من علامة استفهام.. من كلام زياد الرحباني الذي جاء في العدد 11356 بتاريخ 10 08 2009 في مقال عنوانه «هذا شيء خطير.. هذا اسمه استشراق» اثر حفلاته الأربع بدمشق، ذكر مبدعنا التونسي انور براهم بكلام غير عاقل وغير واع.. قال زياد الرحباني ان موسيقى انور براهم «هي ما يريد الغرب صناعته بالنيابة عنا ويصدرها باسمنا (باعتبارها) الموسيقى التي يصنعها الصهاينة في العالم بدلا عن العرب». ويضيف زياد الرحباني في موضوع ما صرح به منذ سنة فيما يخص انور براهم «اعترف بأن عندي معلومة خاطئة بما يخص انور براهم، لكن اعرف من زمان انه يهودي لانه تعامل مع مجموعة موسيقيين اعرف عنهم انهم يهود (ولا أقول ذلك) مُش لأنّو انا مفكر انو يهودي علما انني شبه متأكّد انه يهودي! (!!!) ويتمادى زياد في مغالطاته اذ يؤكد أن انور براهم «عمل مع واحد اسمه جون سيرمان في الثمانينات» وهذا يهودي متأصل متخصص في تجويد القرآن على الساكسوفون ومع يان غارباريك وهذان الاثنان معروفان كثيرا». ولم يكتف بهذه الإتهامات، بل يذهب الى القول في شأن موسيقى انور براهم «انا لا احب موسيقاه. واذا فقدت انا وإياه يوما ما، سأقول له موسيقاك تعمل التالي: تعمل شيئا ليس انا من قاله، بل ادوارد سعيد (...) هذا اسمه استشراق». يعاقب عليها القانون اتصلت «الصباح» بأنور براهم الذي فنّد كل ما جاء في حديث زياد الرحباني ورفض الدخول معه في سجال حول الموسيقي والإنتماء الديني علما وانه ارسل له في السابق رسالة حول زلة اللسان الأولى.. ويبدو أن زياد تقلصت ذاكرته، فأعاد الهجوم ثانية اثر سؤال وضعه عليه الصحفي من ان «اسطوانات زياد الرحباني غير موجودة في المجلات الاوروبية وان بدلها اسطوانات التونسي انور براهم، لماذا؟».. وحتى يقطع حبل كل التخمينات صرّح انور براهم «للصباح» قائلا: «قرأت بكل حسرة ما جاء على لسانه السنة الماضية ومن نفس المكان.. وها هو يعاود هذه السنة وبنفس التعابير.. ما صرح به لا يعدو أن يكون نوعا من الهذيان وليس لي أن أنساق وراءه ووراء كل من دعته نفسه للهذيان. لقد أجبته السنة الماضية بصفة حضارية وظننت أن رسالتي فهمها واستوعبها. ويتبين لي الآن أنه لم يفهم. هذا السيد لا أعرفه ولم التقه ولا أعرف حتى موسيقاه.. كنت أحترمه لما يمثله مع والدته السيدة فيروز، لجهة المقاومة اللبنانية ولتموقعه السياسي.. واليوم، ها هو يعاود الخطاب المريض نفسه الذي هو محض شتيمة وثلب يعاقب عليها القانون». من جهة اخرى، اتصلت «الصباح» بالصحفي اللبناني، رئيس القسم الثقافي ب «الاخبار» بيار ابي صعب الذي أمرها بالورقة التالية: «غلطة الشاطر» لأبي صعب «زياد الرحباني حالة خاصة في وعينا الثقافي منذ عقود... وأنا شخصيّاً من محبّيه مؤلفاً موسيقيّاً، وشاعراً، وكاتب حوارات، ومسرحياً، وممثلاً.. نعم ممثلاً: لا ينبغي أن ننسى الممثّل. وزياد شريكي في الجريدة - الحلم - التي أسّسناها وراء جوزف سماحة، أي «الأخبار» البيروتيّة... فماذا تريدني أن أقول عن هذا الموقف المحرج؟ حين ردّ النجاح العالمي الذي حققه أنور ابراهم، إلى أصوله اليهوديّة، ضحكنا من عبثيّة الموقف، وكززنا على أسناننا غيظاً... إن الفنّان مسؤول أمام الرأي العام والتاريخ لا يمكنه أن يذهب إلى منزلقات بائسة كهذه. ثم اعتبرناها زلّة لسان، خلال سكرة نجاحه الدمشقيّة... بل حاولنا أن نتصوّر أن الاعلام أساء فهم كلامه. لكن لا، وها هو يعود مع سبق الاصرار. لقد عاود الكرّة بعد أقلّ من عام، ومن دمشق أيضاً، فاتحاً النار على الفنان التونسي البارز والصديق العزيز أنور ابراهم. لقد تراجع هذه المرّة عن الزلّة اللاساميّة في تصريحه الأوّل أواخر الصيف الماضي، وهي زلّة مقلقة من قبل يساري عربي (لاحق لعصره)... لكنّه عاود فتح النار على أنور، مستحضراً نظريّة المؤامرة الكونيّة! من حقّه أن ينتقد هذا الفنان وابداعه قدر ما يشاء، لكن لم نفهم لماذا الضرب من تحت الزنّار؟ إن احترام أصول السجال، واحترام الآخر بعيداً من الأحكام الاخلاقيّة والمعياريّة، هو دفاع عن الديموقراطيّة في نهاية الأمر، إذ ليس أخطر عليها من الشعبويّة. ما تريدنا أن نفعل؟ إنّه زياد. أحياناً يترك لسخريته ونقده الحادين أن يجرفاه إلى حالات هذيانيّة غير مقبولة، ولا تمت إلى العقلانيّة والوعي اليساري المسؤول بصلة. لنقل إنه، في هذه القصّة، يشبه الصبي العبقري الذي لم يكبر، حين يروح يرتكب حماقاته المتكرّرة، و«يتشيطن» لاقلاق راحة الكبار. غير أن زياداً ليس دائماً هكذا، لحسن الحظ. على العموم، جمهوره التونسي سيكون أحسن منه. سيساجله ويحاسبه، لكنني على ثقة من أنّه سيبقى يحبّه». ان كان زياد الرحباني هو «زياد»، فإن انور براهيم هو انور ليس لدى التونسي فقط، ولكن لدى محبي فن الموسيقي التي لا تجري وراء الرياح، بل هي التي تصنع عطر النسيم. ورغم هذه التهجمات غير اللائقة والتي يعاقب عليها القانون باسم الثلب، فإن انور براهم يبقى قامة فنية وموسيقية عربية ومتوسطية لا ينازعها فيه منازع وان كان يحمل اسم الرحابنة..