يحظى هذا اليوم بمكانة خاصة في تاريخ المجتمع التونسي. يوم ثوري ومصيري، تسلمت فيه المرأة التونسية عام 1956 شهادة ميلاد جديدة، صيّرتها كائنا كاملا وحرا ومالكا لقراره. إن هذا اليوم الذي هو عزيز على كل امرأة تونسية، يمثل تاريخ إصدار مجلة الأحوال الشخصية بقوانينها الثورية الجريئة، التي كرست صورة تونس بلد الحداثة والمثابرة في عمليات التحديث التي أجرتها فور حصولها على الاستقلال وإعلان قيام الدولة الوطنية الحديثة. والذي يزيد من وهج تاريخ يوم 13 أوت 1956 أنه ما فتئ يمثل مناسبة سنوية تُعاين فيها المرأة التونسية التراكم الكمي والنوعي لمدونة المكاسب القانونية والحقوقية التي شهدتها وتشهدها دون انقطاع وفي ظل دعم ومساندة متواصلين. ففي مرحلة الحكم البورقيبي، عرفت المرأة التونسية حدث إصدار مجلة الأحوال الشخصية التي ضمنت لها منع تعدد الزوجات ورفعت من السن الأدنى للزواج وجعلت مسألة الطلاق تتم بشكل يكفل لها إنسانيتها وأدنى حقوقها. لذلك فإن الثلاثة عقود الأولى من تاريخ الدولة الوطنيّة التونسيّة خُصصت من أجل تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة والارتقاء بمفهوم الأسرة وتطوير منظومة قيمها وعلاقاتها التفاعلية والرمزية الواقعية. أما في عهد التغيير، فقد شهدت مسألة المرأة تجديد تأكيد مكانة المرأة ومقامها السياسي والمجتمعي الاستراتيجي وبذلت النخبة السياسية الحاكمة الراهنة قصارى جهدها في تطوير مكاسب المرأة، فكانت الرؤية الثورية التي تعلقت بهدف تحقيق الشراكة مفهوما وممارسة مما زاد في اتساع مجال حرية المرأة الذاتية والأسرية والاجتماعية .وتكمن قوة هذه الرؤية القائمة على مبدأ الشراكة التي تبناها الرئيس بن علي في أنها وحدها القادرة على امتحان مفهوم المساواة وتفعيله بشكل لا يقبل أي مناورة ذكورية أو اجتماعية. بمعنى أن أطروحة النخبة السياسية الراهنة قامت بتجذير الأطروحة الأولى التأسيسيّة التي استندت إليها مجلة الأحوال الشخصية، خصوصا أن مجموعة المكاسب القانونية الرائدة التي حصدتها المرأة التونسية في العقدين الأخيرين كانت من الأهمية ومن قوة الدعم ما زادت في تجسيد دور المرأة كذات فاعلة ومستقلة بالمعنى الإنساني وكمواطنة تتمتع بحقوقها وواجباتها من منظور المواطنة والمجتمع المدني. ولعل القرار الرئاسي بتوسيع مشاركة المرأة في مواقع القرار والمسؤولية بشكل يجعلها تبلغ 30% من مجموع المشاركة دليل على مركزية المرأة في خيارات تونس منذ الاستقلال وإلى اليوم. بل أن المرأة هي عنوان التحديث الأكبر في تونس وحجته الدامغة ورهانه المتجدد. وهكذا يتضح لنا أن النخبة السياسية الحاكمة في تونس سواء السابقة أو الراهنة كانت دائما سند المرأة التونسية والطرف الداعم لها والدافع لها نحو التقدم والتعلم والوجود وهي نقطة تحسب للنخبتين السياسيتين السابقة والراهنة التي تعاطت مع المرأة التونسية بأبوة عالية بالمعنى الايجابي المحض لمفهوم الأبوة. فلا ننسى أن المرأة في كثير من البلدان العربية والإسلامية، تفتقد إلى هذه المساندة وهذا الدعم الشيء الذي جعل مجهودها يلقى الإحباط رغم استثنائيته واستحقاقها المتأكد. إن دلالة تاريخ اليوم الجاري، لا تتمثل في تأمل رصيد المكاسب المتحققة فحسب، بل أنه الموعد الحافز أيضا لتذكير المرأة التونسية أن مسؤولية الحفاظ على هذه المكاسب تستدعي منها اليقظة العميقة من أجل تجنيبها الأخطار المحدقة وعلى رأسها خطر التطرف والانغلاق الذي يستهدف أول ما يستهدف المرأة بوصفها جوهر مشروعه الهدام والرجعي. إذن هو دور المرأة اليوم كي تصون ثروتها الحقوقية والقانونية وهو دورها الرئيسي. وإذا كانت النخب السياسية قد أخذت بيدها ومكنتها من المنظومة الحقوقية والقيمية التي تحتاجها لخوض معركة الوجود الحر والفعال والمستقل، فإن المعادلة في المعركة ضد التطرف تنقلب ويصبح المطلوب منها أن تلعب دور الداعم للنخبة السياسية والمساند الأول وأن لا تكون الأداة التي يضرب من خلالها الوطن والحداثة والتنمية بل وأيضا الإسلام الحق، الإسلام المتقدم والمنفتح. ولأن طبيعة المعركة ضد التطرف وقيم الانغلاق والتراجع تدور في عقر البعد القيمي الثقافي، فإن التصدي الناجح يشترط من النخب النسائية تحركات مدروسة وواسعة تكون عميقة ومقنعة، تستند إلى الحوار والنقاش وتستهدف فئات الطالبات والشابات بشكل عام، ذلك أن الفتاة الشابة هي المرأة التي نقرأ من خالها إلى أي حد يمكن أن تطالنا قيم الانغلاق التي تعني ببساطة وبخطورة بالغة أن كافة بنود مجلة الأحوال الشخصية في خطر حقيقي. لذلك وأحسب أن عديد النساء يشاركنني الرأي، في أن تاريخ يوم 13 أوت هو يوم بقدر ما يبعث على الارتياح بقدر ما يقوي في داخل كل امرأة تعي استقلاليتها وحريتها المقدستين، هاجس الذود عن مكاسبها المتقاطعة مع وطنيتها.