بكل تأكيد تجاوز حدود الخمسين من العمر وغزا الشيب مفرقيه لكنه لم يحترم سنّه ووقاره المفترض ووضع نفسه في موقف مخجل ومحرج جنى منه «داودي» لا أعتقد أنه سينساه طوال ما بقي من حياته. فقد ظل الرجل يمشي وراء امرأة محترمة تسير في هدوء وحياء حتى بلغت أحد المقاهي فتوقفت ونادت على شخص كان واضحا أنه إما زوجها أو شقيقها أو أحد أقاربها «من المقربين جدا». وكان واضحا كذلك أنه روت له ما فعل بها «الكهل - الشيخ» فالتحق به فورا ودون مقدمات صفعه صفعة أقوى من صعقة الكهرباء ومضى صحبة المرأة الى غايتهما.. أما المتصابي فالتفت يمينا وشمالا ثم انطلق يسرع الخطى.. لكن في الاتجاه المعاكس طبعا.. وهل يمكنه بعد ذلك «الداودي» أن يواصل السير خلف تلك المرأة؟! «شريان شبوك»؟ كل من مرّت به أو مرّ بها استوقفه المشهد.. رجالا ونساء.. شيبا وشبابا كلهم نظروا واستنتجوا وعلّقوا ..أما أصل الحكاية: فتاة تمشي في شارع كبير وقد ارتدت لاشيء تقريبا.. صدرها عار إلا من قطعة صغيرة وضعتها على «النفس» لا غير.. رجلاها أخذتا الاستقلال شبه التام من استعمار الملابس.. ولكم أن تتخيلوا بقية الحكاية.. أما أطرف ما في هذه الحكاية التي هي في نهاية الأمر «شريان شبوك» فهي تعليق رجل كهل بعد أن سمع تعليق احدى النساء التي قالت «الله يسترنا دنيا وآخرة» إذ قال: «علاش تحب تحرمنا؟! موش حرام عليك؟!»! انتحار عندما نعلم أن تونس تحتل مراتب متقدمة في حوادث الطرقات يعصر الألم والحسرة قلوبنا على تلك الأرواح التي ذهبت هباء منثورا. وللحقيقة نذكر أن أغلب الحوادث هي عبارة عن عمليات انتحار سببها السرعة المفرطة والمجاوزة الممنوعة والسياقة في حالة سكر. ومنذ بضعة أيام جدّ بشارع محمد الخامس بالعاصمة حادث قاتل (السائق مات على عين المكان) والسبب أن ذلك السائق قام بعملية مجاوزة في «صف رابع» إن صحّ التعبير (eme position4) وبسرعة جنونية، فجاء «كف وغرزة» مع شاحنة خفيفة.. وكان ما كان.. أليس هذا، بكل المقاييس، انتحارا حتى إن كان بغير قصد؟! جبل «يطلب»!! طوله يسقّف معصرة مثلما يقال.. لو هوى على حائط لا أظن أنه سيترك منه شيئا مبنيا.. صحّته، حسب مظهره الواضح، أحسن من الحصان.. ومع ذلك كان يمد يده ويطلب الصدقات من الناس داخل عربة المترو.. وفي نفس العربة كان شخص آخر أصابع إحدى يديه مقطوعة لكنه لم يختر أسهل الطرق للارتزاق بل اختار العمل اذ يقوم ببيع «الكلوروفيل» ومناديل الورق. وبما أني أراه يوميا تقريبا أعتقد أنه راض بوضعه خاصة أنه كسب صداقة أغلب المسافرين على خط المترو رقم 2 لأنه يتميز بأسلوب مرح جدا الى درجة أنه حتى من لا يرغب في الشراء فإنه يشتري من عنده «ماخذه في الخاطر» ..انظروا الآن الفرق بين الرجلين.. واحد يشبه الجبل الراقد المتوكل على غيره وواحد كان يستطيع الحصول على بطاقة معوق فيعيش على الصداقات والإعانات لكنه لم يفعل..! بلا محطة!! تربط الحافلة رقم 35ب أحياء كثيرة على غرار الشرقية وحي النزهة ومحطة الترابط 10 ديسمبر. لكن الغريب في شأن هذه الحافلة أنها تقطع مسافة تناهز كيلومترا ونصف دون أن تتوقف وكأنها تمر بأرض فلاحية والحال أن المنطقة التي تمر بها عامرة بالمؤسسات فمن المحطة الموجودة قرب «دار المصدر» حتى محطة 10 ديسمبر... رحلة طويلة لا توجد أثناءها «هدنة» أي محطة علما بأن الحافلة تمر ببعض السفارات وبمدينة العلوم والوكالة العقارية للسكنى وبعض البنوك. ولا يعقل أبدا أن يضطر الذاهب الى أحد هذه الأماكن إلى النزول إما أمام دار المصدر وإما محطة 10 ديسمبر..