تونس الصباح منذ أن شدا المنشد أحمد جلمام بالجمل الأولى أمام جمهور الأكروبوليوم, الفضاء الذي يستضيف هذه الأيام الدورة الخامسة لمهرجان الموسيقى الروحية بتونس حتى خيّم صمت كامل بالفضاء. يترشّف الحضور ترشفا كلمات هذا الفنان الصوفي الذي يملك حنجرة من بين أفضل الحناجر التي تؤدي الإنشاد الصوفي. صوت صاف ومؤثر جدا ونبرات تلامس شغاف القلب وإذا بالبعض يستنجد بمنديل ليزيل بعض الدمعات التي تنساب على الخدود تأثرا بالصوت والكلمات. لم يعد أحمد جلمام الفنان الصوفي الذي يعرف بقدرته الفائقة على ترتيل القرآن الكريم وبمشاركته في مسابقات عالمية في هذا الإختصاص بحاجة إلى أن نتوقف طويلا عند تجربته للتعريف به، ذلك أنه إن لم يسبق وإن استمع الجمهور إلى تساجيل الشيخ جلمام، فإنه وصل إلى سمعه على الأقل هذا الإسم الذي أصبح من بين الأسماء المألوفة في مجال الموسيقى الصوفية. انطلقت السهرة بعد العاشرة من ليلة الإربعاء . وانساب الوقت رغم تلك الرهبة التي تشعر بها بالعودة إلى طبيعة العرض وطبيعة المكان وخصوصيته ووظيفته الدينية, انساب الوقت بسرعة وإذا بالجمهور ينصت بخشوع إلى دعوات الرضاء ونيل المراد والمغفرة من الخالق التي انسابت من حلق الشيخ جلمام صادقة جدا. كان الشيخ جلمام مصحوبا بفرقة موسيقية تتكون من عازفين على آلات الإيقاع وعازفين على آلات الكمان ومجموعة من المنشدين الذي يشتركون في جمال الصوت وإتقان مخارج الحروف. تضمن العرض على مجموعة من الأناشيد الدينية والمدح والأذكار. فسحة من الزمن انساق فيها الجمهور مع كلمات التضرّع إلى الخالق وطلب الرضا والعفو واعترافا بقدرته وتغنّ بخصال الرسول وشمائله وسردا لقصة نشأة الكون وتأملا في وجود الإنسان. واستعراضا للشواهد على عظمة الخالق كان الآداء متنوعا. أحيانا يأتينا الصوت رخيما حنونا وخاشعا وأحيانا أخرى يستعيد الصوت كامل سطوته فيصبح جهوريا وتلتحم الحناجر بين الحين والحين ويزيدها النقر على آلات الإيقاع ورجع الصدى في «الأكروبوليوم» ذو الجدران المقوسة والشاهقة رهبة وخشوعا. واحتلت آلة الكمان موقعا هاما في العرض . انسابت الألحان انسيابا محببا للنفوس من هذه الآلة. كان للجمهور نصيب من الإرتجال على الكمان، فكانت الموسيقى رخيمة وشجيّة تذكرنا أحيانا بفعل آلة الناي في مثل هذه المناسبات في جمهورها. اختتام هندي كان العرض متنوعا بين الإنشاد الفردي والجماعي وقد منح الشيخ جلمام الفرصة لبعض المنشدين لآداء مقاطع بشكل فردي ورتّل بصوته الرخيم آيات من سورة البقرة كما قرأ بعض القصائد في مدح الرسول قبل أن ينشدها صحبة المجموعة. واكب جمهور مهرجان الموسيقى الروحية السهرة باهتمام بالغ وصفق لكل قطعة أو كل أغنية صوفية ووقف في نهاية العرض الذي استمر حوالي ساعة ونصف إكراما للجماعة ومصفقا بحرارة مع العلم أن مهرجان الموسيقى الروحية الذي أسسه الطبيب لطفي المرايحي المعروف بمبادراته المختلفة في مجال تنظيم التظاهرات الموسيقية قد افتتح في سهرة السبت 5 سبتمبر الجاري بعرض تونسي وسيختتم في سهرة يوم الغد بعرض هندي. تقام السهرات كل ليلة بلا انقطاع وتشارك كل من المغرب وليبيا وتركيا وسوريا في هذه التظاهرة إلى جانب تونس، طبعا.