لا بد من تحرك ديبلوماسي وإعلامي عربي حتى لا يضيع التقرير كسابقيه تونس الصباح مع صدور تقرير ريشتارد غولدستون الخاص بلجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الانسان بالامم المتحدة حول العدوان على غزة الذي اكد في اكثر من خمس مائة صفحة وردت فيه تورط الجيش الاسرائيلي في ارتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية خلال حربها على القطاع بدات اسرائيل بدعم من واشنطن شن حملة مضادة على مختلف الجبهات السياسية و الديبلوماسية و الاعلامية في محاولة منها لاستباق الاحداث و دفع دول الاتحاد الاوروبي للتحفظ على نتائج التقرير وقد عمدت الخارجية الاسرائيلية بذلك الى مطالبة سفراء الدول الاوروبية المعتمدين في تل ابيب الى رفض التقرير بدعوى انحيازه ضد اسرائيل فاين تكمن اهمية تقرير غولدستون و هل يمكن ان يتحول الى وثيقة ادانة للمسؤولين السياسيين و العسكريين الاسرائليين ؟و لماذا تخاف اسرائيل تقرير غولدستون ؟و اين يتنزل التقرير في القانون الانساني و القانون الدولي وهل من مجال للعرب عموما و للفلسطينيين خصوصا للاستفادة من هذا التقرير و عدم تفويت الفرصة المتاحة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني ؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محورهذا الحديث الذي خص به الدكتور رافع ابن عاشور استاذ القانون الدولي بالجامعة التونسية وعضو لجنة الاتحاد الافريقي للقانون الدولي في حديث خص به «الصباح». حاورته آسيا العتروس * مع انه لم يكن الأول من نوعه فقد حظي تقرير غولدستون بتغطية إعلامية واسعة فهل من توضيح لأهمية هذا التقرير القانونية و السياسية و هل يمكن أن يشكل وثيقة إدانة رسمية يمكن اعتمادها لمقاضاة المسؤولين العسكريين السياسيين في إسرائيل؟ -فعلا ليس هذا أول تقرير يصدر عن منظومة الأممالمتحدة ويتضمن شهادة لا مجال للتشكيك في مصداقيتها وموضوعياتها حول ما تقترفه إسرائيل منذ ستين سنة بلا انقطاع من خرق للقانون الدولي الإنساني ومن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة عدوان في الأراضي المحتلة أو في الدول المجاورة لإسرائيل مثل لبنان. ويمكن أن نذكر أن أول تقرير أدينت بمقتضاه إسرائيل وفضحت معاملاتها المهينة واللاإنسانية وسياستها التوسعية يرجع إلى تاريخ ظهور دولة إسرائيل سنة 1948،وهو التقرير الذي أعده الكونت السويدي الجنسية فولك بر نادوت والذي أدى بأحد العصابات الصهيونية إلى اغتيال هذا الديبلوماسي في القدس في 17 سبتمبر 1948. وقائمة التقارير الأممية حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني طويلة ولا مجال هنا لاستعراضها، لكن المهم أن التقرير الأخير الصادر بتاريخ 15 سبتمبر 2009، عن لجنة التحقيق الدولية المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان والمتركبة من أربع شخصيات برئاسة القاضي السابق بالمحكمة الدستورية لجنوب إفريقيا،ريتشارد غولدستون، له أهمية خاصة إذ أجمع المجتمع الدولي على أن إسرائيل، خلال حربها على غزة، من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 جانفي 2009، تجاوزت كل الحدود وأقدمت على ما لم تقدم عليه سابقا من اعتداء على الأشخاص الذين يتمتعون خلال النزاعات المسلحة بحماية خاصة أي الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى والقوات والمنشئات الدولية والمنشئات الصحية ودور العبادة والصلاة، ناهيك أن من بين 1400 ضحية فلسطينية سقطت خلال هذا العدوان بلغ عدد الضحايا من الأطفال 410 طفلا و100 امرأة، وبلغت نسبة الأموات من المدنيين 65 بالمائة في حين لم يبلغ عدد الموتى من الجانب الإسرائيلي إلا ثلاثة أموات. وتكمن أهمية التقرير في حجمه إذ يتضمن 570 صفحة خصصت 5 صفحات منها فقط للحديث عن الانتهاكات الفلسطينية للقانون الإنساني ومن الغريب أن هذه الانتهاكات أضفت عليها اللجنة نفس التكييف القانوني للانتهاكات الإسرائيلية فنعتتها بكونها أيضا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد تعرض التقرير إلى وقائع دقيقة وثابتة وموثقة ووصف مسلسل وقوعها وما ترتب عنها وصفا دقيقا جدا بالاعتماد على الصور والشهادات وغير ذلك من الأدلة الدامغة. وقد أقر التقرير نفسه أن العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة منعت سكان القطاع من موارد العيش ومن العمل ومن السكن ومن الماء، وجعلت منهم محاصرين لا يمكنهم التحرك وحرمتهم من حرية الدخول إلى بلدهم والخروج منه وكل هذه الوقائع وغيرها يمكن أن تشكل مستنجدا لإدانة قضائية للمسؤولين الإسرائيليين من أجل اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومثلما اعتادت على ذلك فإن إسرائيل على لسان وزير خارجيتها ليبرمان ولسان رئيسها هاجمت التقرير واتهمت رئيس اللجنة وأعضاءها بالانحياز وطالبت الدول الصديقة لها (الولاياتالمتحدة أولا والاتحاد الأوروبي ثانيا) بالتصدي للتقرير والقيام بكل ما يلزم حتى لا يناقش التقرير في صلب الأممالمتحدة ولا تنجر عنه أي نتائج عملية وقانونية. * ماذا يعني تزامن صدور التقرير مع الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأين يتنزل بالنسبة لاتفاقيات جنيف؟ -يعلم الجميع أن احترام حقوق الإنسان أو على الأقل، بعض حقوق الإنسان مثل الحق في الحياة، أضحى قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي وأن ما جاءت به اتفاقيات جنيف وخاصة منها الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب تشكل قواعد لا مجال لتجاوزها مهما كان السبب، والتقرير يعزز هذه القناعة ويدعمها بحجج وأدلة موضوعية. لكن الأمر الذي يبقى مطروحا دائما هو مدى التزام الجميع بهذه القواعد ومدى قدرة المجتمع الدولي على تطبيق هذه الالتزامات دون حيف ودون ازدواجية في المعايير لحماية حقوق الانسان في حالات الحرب و النزاعات. * وهل من مجال عربيا ودوليا للاستفادة من التقرير خاصة مع افتتاح الدورة الرابعة و الستين لأشغال الجمعية العامة للامم المتحدة و كيف يمكن التصدي عمليا للحملة الاسرائيلية المضادة لتقرير غولدستون وفي نفس الوقت لضغوطات واشنطن لإجهاض التقرير؟ - من واجب العرب وجميع الدول المحبة للعدل والسلام استخلاص العبرة من هذا التقرير وإقامة الدليل أن إصلاح المنظومة الأممية لحماية حقوق الإنسان بعد إحداث مجلس حقوق الإنسان وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليست شكلية أو مجهولة لمقاضاة بعض الدول دون غيرها. لذلك لا بد من تحرك دبلوماسي خلال الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة ولا بد من تحرك إعلامي عربي هائل ولا بد من تحرك المجتمع الدولي المدني الذي تحرك بقوة خلال العدوان والذي يبدو أنه فتر. ولا بد من استغلال تغير الوضع السياسي في واشنطن إثر فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما وعدم انتصاره الأعمى واللامشروط للوبي اليهودي. وإذا لم يتم ذلك فسوف يحفظ تقرير غولدستون في مكتبة الأممالمتحدة وينضاف إلى سابقيه.