السلطة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه وقرار الرئيس ابو مازن تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات قرار الموافقة على تاجيل التصويت على احالة تقرير غولدستون بشان الحرب على غزة. الى الجمعية العامة لا يمكن ان يغير القليل او الكثير في الانعكاسات التي احدثها هذا قرار داخليا وخارجيا ولاشك ان في حالة الارتباك التي سادت بين المسؤولين الفلسطينين وحرص كل طرف على القاء الكرة الى الطرف الآخر ما يعكس ان تبني قرار تاجيل تقرير غولدستون كان اعتباطيا ولم تسبقه مشاورات مركزة او قراءات متأنّية لما يمكن ان يفرزه القبول بالتاجيل من ردود فعل ومن خيبة امل عميقة سواء تعلّق الامر باهالي ضحايا العدوان على غزة او بالراي العام الفلسطيني وحتى العربي الذي كان يامل في قرار منصف للمستضعفين ولو مرة واحدة قبل ان يستفيقوا على وقع الصدمة التي كانت والحق يقال بلا حدود على كل المستويات الانسانية والاخلاقية والسياسية والاعلامية بل ان القراركان اشبه بصفعة لم يكن من الممكن تقبلها او استساغتها او تبريرها ... صحيح ان تقرير غولدستون لم يكن الاول من نوعه الذي يوجه اصابع الاتهام الى الاحتلال الاسرائيلي ولاشك ان ادراج مكاتب الاممالمتحدة تزخر بالتقريرات الحقوقية عن مختلف الجرائم الاسرائيلية على مدى العقود الماضية التي رافقت نشاة الكيان الاسرائيلي ولكن التقرير وبما تضمنه هذه المرة من شهادات موثقة ومن معلومات وحقائق حرص القاضي اليهودي ريتشارد غولدستون وفريقه على جمعها على مدى ثلاثة اشهر ليدونها في اكثر من خمس مائة صفحة وذلك برغم كل الموانع والعراقيل التي حرصت اسرائيل على وضعها امامه في كل مرة لمنع دخوله الى قطاع غزة والوقوف على حقيقة المشهد هناك فقد شكل التقرير ولاول مرة مصدر ازعاج واحراج لسلطات الاحتلال التي وجدت نفسها مضطرة لسن قوانين جديدة من شانها ان توفر الحماية وتمنح الحصانة لقواتها ومسؤوليها السياسيين والعسكريين في تنقلاتهم واسفارهم بعد ان باتوا ملاحقين في عديد العواصم الاوروبية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية... و اذا كان المنطق يفترض عدم الانجرار وراء التصديق بكل المحاولات الاسرائيلية التي ارادت تحميل السلطة الفلسطينية وحدها مسؤولية الاستمرارفي العدوان على غزة واذا كان المنطق يفترض ايضا انه لا يمكن لعاقل ان يقبل بوجود فلسطيني يطالب بقصف ابناء شعبه مهما كانت انواع الخلافات مع ذلك الطرف فان نفس المنطق كان يفترض ايضا من السلطة الفلسطينية ان تكون حريصة على استباق الاحداث والا تمنح الة الدعاية الاسرائيلية فرصة لتاليب الراي العام ودفعه للتصديق والاقتناع بان العدوان على غزة كان بايعاز فلسطيني . اختفى الفيتو الامريكي هذه المرة ولم تشا واشنطن العائدة حديثا الى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة ان تظهر بمظهر السيف المسلط على الرقاب كلما تعلق الامر باجهاض قرار لصالح القضية الفلسطينية فاختارت هذه المرة المرور الى التحرك خلف الكواليس في اطار سياسة البيت الابيض الجديدة لتلميع صورة امريكا وتجنيب نفسها الوقوع في المحظورات كل ذلك دون ان تتخلى عن حليفها الاستراتيجي الاسرائيلي ...قد يتعلل البعض بانه حتى في حال الموافقة على عرض التقرير على مجلس الامن الدولي فان المشهد الفلسطيني لا يمكنه ان يتغير بين عشية وضحاها والحقيقة ان في هذا الموقف ايضا اصرارا على اهانة الضحايا وتهميشا لدماء الابرياء ومحاولة للهروب الى الامام وتمسّكا بسياسة النعامة التي لا تجدي... وفي غضون ستة اشهر قد تكون اسرائيل اعدت لعدوان جديد قد لا يكون لغولدستون موقع يرصد منه الجرائم الاسرائيلية المرتقبة. طبعا سيكون من الغباء التساؤل عن الطرف المستفيد من تبني قرار التاجيل والاكيد ان الشعب الفلسطيني وقضيته التي باتت تشكو من التهميش لا يمكنه ان يكون مستفيدا من قرار يصر على خيار الهزيمة والتخلي عن الحق المشروع حتى وان كان المقابل ضياع صفقة اسرائيلية للهاتف الجوال او قطع المساعدات الامريكية للسلطة وهي مساعدات كان بامكان الدول العربية والاسلامية توفيرها لو كان للارادة العربية والتكافل موقعه في القضية... اما التساؤل عن المسؤول بشان ما حدث فتلك بالتاكيد حكاية اخرى وهي بالتاكيد مسؤولية تتجاوز ممثل السلطة الفلسطينية في جنيف والذي من المرجح ان حرصه على تنفيذ التعليمات الموجهة والاستجابة لمجمل الضغوطات الاسرائيلية والامريكية كان وللاسف اكبر من حرصه على الفرصة المتاحة ولاشك ان المسؤولية اكبر من ان تحدد في شخص او فصيل سياسي...