تونس - الصباح يعد تأهيل اليد العاملة السياحية من العناصر الاساسية في المنظومة السياحية ولذلك يحظى هذا الجانب المهني بعناية كبيرة في السنوات الاخيرة بفضل دعم وزارة السياحة وحرصها على تكوين يد عاملة ماهرة وتتمتع بكفاءة عالية ومن جهة أخرى فقد ساهم القطاع الخاص على مستوى مدارس ومعاهد التكوين الفندقي في خلق كم هائل من المتربصين في مجالات الطبخ والاستقبال والادلاء السياحيين وحتى المتصرفين في الإدارة الفندقية... ولكن يبقى مجال اليد العاملة السياحية يشكو من عدة سلبيات نسجلها في مستوى الخدمات داخل النزل وخارجها وهذا حسب رأي بعض المهتمين بالقطاع السياحي يعود لعدة أسباب منها استعانة أصحاب النزل بعملة غير أكفاء بمعنى أنهم لم يخضعوا إلى تكوين بالمدارس السياحية ولا نستغرب إذا وجدنا نادل مقهى يشتغل بمطعم أو حانة بنزل لا تتوفر فيه الشروط اللازمة من تكوين ومستوى علمي وبالتحديد اتقان اللغات الحية التي تعتبر عنصر التواصل مع السائح الأجنبي لأن من يتقن اللغة قادر على الانسجام مع السائح وتقديم الخدمات التي يطلبها طيلة إقامته ببلادنا، فضلا عن الخدمة التي سيقدمها والتي يجب أن تكون حرفية وتتماشى والدور المهني الذي يقوم به هذا النادل أو غيره في أي اختصاص داخل النزل وخارجها. والغريب في الامر أنه يصادفك في بعض الأحيان نادل بإحدى النزل كان يشتغل في «المرمة» أو ممارسة نشاط فلاحي شتاء ليصبح ناشطا في المجال السياحي صيفا وهذه ظاهرة متفشية في جهة الوطن القبلي وبالخصوص الحمامات. لماذا لا يجد أصحاب الشهائد حظهم؟ لا يزال أصحاب الشهائد المتخرجين من مدارس التكوين السياحي العمومية والخاصة يعانون من عدة عراقيل بحثا عن شغل بالمؤسسات السياحية، فأصحاب النزل لا يحبذون انتدابهم بسبب نقص عنصر الخبرة لديهم في المقابل يراهنون على يد عاملة متكونة بالممارسة من خلال تربصات بالنزل. هذا يطرح إشكالا كبيرا في صلب المنظومة السياحية على مستوى اليد العاملة ولا شك أن الجميع على اطلاع بالمساعي المبذولة من طرف سلطة الاشراف التي تحث أصحاب النزل على ضرورة فتح الآفاق المهنية أمام حاملي الشهائد من خريجي مدارس ومعاهد التكوين السياحي المنتشرة بمختلف المناطق السياحية بالبلاد. لماذا هاجرت الكفاءات إلى الخارج؟ الملاحظة في السنوات الاخيرة وأمام تتالي عروض الشغل من الخارج وخاصة في دول الخليج العربي التي شهدت نقلة نوعية في الخدمات السياحية فإن العديد من الخبرات والكفاءات التونسية خيرت الهجرة في إطار عقود عمل في القطاع السياحي ونظرا لهذه العروض المغرية في قيمتها المادية من حيث الأجور والامتيازات من سكن ومنح وتذاكر تنقل من وإلى بلدان الإقامة فإن المتمرسين من اليد العاملة السياحية التونسية خيروا التوجه نحو هذه الدول وهو ما أحدث شبه فراغ بعد التفريط في الكفاءات التي تتمتع بدرجة كفاءة عالية، وهنا لا بد من مراجعة هذا الجانب الذي ولئن تواصل فسيؤثر على مستوى اليد العاملة في القطاع السياحي لأن سياحتنا تسير نحو كسب رهان الجودة عنوان المرحلة القادمة التي تبدو صعبة بشهادة المهنيين. تأهيل الموارد البشرية معلوم أن السياحة التونسية دخلت حاليا في طور تنفيذ مشروع التأهيل الذي بلغ مرحلة متقدمة على أن ينتهي في أفق 2009 والهدف من ذلك كسب رهان الجودة لكن مشكل تأهيل الموارد البشرية في مجال اليد العاملة السياحية يبقى في صدارة الاهتمامات وهو ما يستوجب التركيز وتعميق الحوار حول هذا المحور الهام فبناء النزل فاخرة من صنف 5 و4 نجوم لا يمكن أن يحقق النقلة المنشودة للسياحة التونسية إذا ما لم تتوفر اليد العاملة الماهرة ذات الكفاءة العالية لأن ذلك يمثل الحلقة الأهم في جودة الخدمات السياحية. وهنا لا بد على سلطة الاشراف وبقية الاطراف المتدخلة أن تنظر نظرة شاملة في ما يتعلق بتأهيل الموارد البشرية التي تعتبر جوهر القطاع السياحي فانتشار مدارس ومعاهد التكوين الفندقي لا يكفي إذا لم يتم ضبط آليات لمتابعة المتخرجين وتذليل الصعوبات أمامهم لاقتحام سوق الشغل بالنزل بكل مرونة. آفاق واعدة أمام اليد العاملة المتكونة لا شك أن المرحلة الجديدة المقبلة عليها السياحة التونسية بتأهيل الموجود والتوسع في خارطة المنجزات السياحية خاصة مشروع هرقلة ومشاريع بجهة الوطن القبلي بقليبية وسليمان وقربص... فضلا عن مشاريع بالمناطق الداخلية للتشجيع على السياحة البيئية والثقافية... ومشاريع السياحة الصحراوية بجهة الجنوب الغربي... كلها ستفتح آفاق واعدة أمام خريجي المدارس والمعاهد في التكوين الفندقي من أجل فرص شغل تستوعب أكثر عدد ممكن من اليد العاملة السياحية مع ضرورة الارتقاء نحو كسب رهان الجودة في مفهومها الشامل التي تمثل مفتاح المستقبل في المجال السياحي لبلادنا ولكل الدول التي تنافسنا في الحوض المتوسطي على وجه التحديد.