تونس الصباح: لم يعد تسجيل الأبناء بمدارس ابتدائية خاصة حكرا على فئة معينة من المجتمع بل امتدت الظاهرة الى مختلف الشرائح الاجتماعية المتوسطة. وبلغت شعبية المدارس الخاصة حدا جعل الأولياء يتهافتون على تسجيل ابنائهم فيها لتبرز بذلك اسئلة عدة حول دوافع هذا الاختيار. تزايد عدد التلاميذ بالمدارس الابتدائية الخاصة من 14000 تلميذ تقريبا سنة 2006 ليصل الى 000.20 تلميذ سنة 2008 ولسائل ان يتساءل امام هذا التزايد الكبير في عدد التلاميذ عن مميزات هذه المدارس. يجد الكثير من الأولياء ضالتهم في المدارس الخاصة رغم ارتفاع تكاليفها ويرى بعضهم انها تبقى في المتناول بالنظر الى ما يجده التلميذ في هذه المدارس من امتيازات وانشطة. وعن اسباب اقبال بعض الأولياء على هذه المدارس يؤكد السيد حسن المناعي مدير مدرسة خاصة «ان المدرسة الخاصة توفر عناية كبيرة واحاطة شاملة بالتلاميذ على جميع الاصعدة مما يجعل الاقبال يتزايد على هذه المؤسسات التربوية، حيث توفر المدارس الخاصة تكوينا جيدا فالاعلامية والفرنسية والانقليزية تدرس منذ الاقسام التحضيرية ضمن حلقات ونواد تنشيطية لتحقق بذلك المدارس الخاصة نسبة نجاح قد تصل الى 100%». ويؤكد السيد حسن المناعي انه «يقع ايضا تأهيل الاطار التربوي جيدا ضمن ما يعرف بوحدة تكوين المعلمين خاصة الذين تم انتدابهم حديثا حتى يتمكنوا من الافادة وتحقيق النتائج المرجوة». نفس الموقف تبناه السيد عبد اللطيف الخماسي نائب رئيس الغرفة الوطنية للتعليم الاساسي والثانوي الخاص حيث يعتبر ان «نوعية التعليم والبيداغوجيا المعتمدة هي من العوامل الاساسية التي تجعل التعليم الاساسي الخاص محل اهتمام الأولياء حيث يوفروا اهتماما واعتناء اكثر بالتلميذ وذلك عبر الاخذ بيده ومرافقته ومتابعته في مراجعة الدروس». اللغات ويرغب العديد من الأولياء في تكوين ابنائهم تكوينا جيدا في اللغات التي تعد حجز الزاوية للأبناء في دراستهم الجامعية بعد انهاء المرحلتين الابتدائية والثانوية بالاضافة الى اهميتها لاحقا في الحياة العملية. وتراهن المدارس الخاصة بصورة فاعلة على تكوين جيد في اللغات مما يجعلها محل اهتمام عديد الأولياء. وفي هذا الصدد تؤكد السيدة آمنة القروي مديرة مدرسة ابتدائية خاصة «ان السبب الرئيسي لاختبار الاولياء لمدارس خاصة هو رغبتهم في تدريس ابنائهم اللغات من السنوات الاولى نظرا لاهميتها في الوقت الراهن مشيرة الى ان اللغات تساهم في جلب اهتمام الأولياء نحو المدارس الابتدائية الخاصة». اطار تربوي ويعزو بعض الأولياء اقبالهم على المدارس الابتدائية الخاصة الى جودة الاطار التربوي خاصة ان التأطير والتكوين يبقيان المطمح الاساسي للولي، حيث تؤكد السيدة منية 41 سنة: «بحكم تعاملي المباشر واحتكاكي بمختلف المتدخلين في العملية التربوية الخاصة يبقى الاطار التربوي على درجة عالية من الوعي والمسؤولية بوظيفتهم التربوية لتبقى بذلك قدرتهم فاعلة في تأطير التلاميذ وتنمية مواهبهم وقدراتهم». ازمة ثقة هذه «الامتيازات» في جودة التعليم تنضاف اليها خدمات اخرى يجدها الأولياء في المدارس الخاصة مما يشجعهم على تسجيل ابنائهم فيها. فعلاوة على التأهيل والتكوين في هذه المدارس فهي تحل مشكلة العديد من الأولياء خاصة ان العاملين والذين يجدون صعوبة في رعاية ابنائهم بعد اوقات الدروس العادية ليجدوا بذلك في التعليم الاساسي الخاص فرصة «للتنصل» من المسؤولية تجاه الابناء فالمدرسة الخاصة تضمن بقاء التلميذ طيلة اليوم مع امكانية المراوحة بين الدروس والحاضنة والانشطة الترفيهية. وفي هذا السياق تؤكد السيدة نجاة 33 سنة موظفة «مع نسق الحياة المتطور وظروف العمل التي تفرض ان اكون منشغلة كامل اليوم تتيح المدارس الخاصة امكانية الاعتناء بابنائي طيلة اليوم وهو ما يخفف عبء الاهتمام بهم». غير ان اقبال الاولياء على المدارس الابتدائية الخاصة قد يوحي بازمة ثقة في المدرسة العمومية وهو ما يفنده محمد الزغلامي مدير التعليم الخاص بوزارة التربية حيث يؤكد انه طبقا للفصل 9 للعدد 486 المؤرخ في 22 فيفري 2008 تلتزم المؤسسات الخاصة باعتماد وتطبيق البرامج الرسمية ونظام التقييم المعمول به بالمؤسسات العمومية ويتعين عليها في صورة تقديمها اضافة باستعمال وسائل اخرى مما لم يرد بالقائمات الرسمية الحصول على ترخيص كتابي من وزارة التربية والتكوين. واعلن وزير التربية والتكوين حاتم بن سالم مؤخرا عن وجود مشروع قيد الدرس يرمي الى التفكير في تدريس اللغات الأجنبية منذ السنوات الاولى للتعليم الابتدائي. مثل هذا المشروع يشرع لتطابق في المنظومة التربوية والبرامج المعتمدة في المدارس الابتدائية في القطاعين العمومي والخاص مما يؤكد امكانية وجود دوافع اخرى تجعل من الأولياء يقبلون على التعليم الخاص. أجواء راقية يرى بعض الاولياء ان المدارس الحاضنة تضمن للأبناء بيئة ومحيطا لائقا باعتبار ان المدارس الخاصة عادة ما تقبل عليها فئة معينة من المجتمع، وفي هذا السياق تؤكد السيدة (آمال) 35 سنة انها تعمدت وضع ابنائها في مدارس خاصة حتى تضمن لهم «بيئة تربوية راقية». وفي هذا الصدد يبين السيد بلعيد اولاد عبد الله باحث في علم الاجتماع ان بعض الأولياء يلتجؤون الى مدارس خاصة بحثا عما يسمى بالرقي الاجتماعي للوصول الى تصنيفات اجتماعية جديدة. هذه التصنيفات مردها ان المؤسسات التربوية العمومية مفتوحة لجميع الفئات الاجتماعية مما يجعل بعض الأولياء يبحثون على الاختلاف او ما يسمى بالاستثمار في التربية خدمة لابنائهم. ويؤكد السيد بلعيد ان المؤسسات التربوية في القطاع العمومي تلعب دورا فاعلا في تأهيل الابناء مشيرا الى ان الاختلاط بمختلف فئات المجتمع سيكون عاجلا أم آجلا.