يعيش الأولياء اليوم حيرة كبيرة عندما يبلغ طفلهم السن القانونية لدخول المدرسة هذه الحيرة هي إفراز للتفكير في المدرسة التي سيتوجه إليها التلميذ هل هي تلك التابعة للحكومة أم للقطاع الخاص وبين هذا وذاك يفكر الولي في التكاليف والتكوين الجيد للطفل. وكشفت المعطيات الاحصائية أن عدد التلاميذ بالمدارس الابتدائية الخاصة ما فتئ يتطور سنة عن أخرى حيث بلغ حاليا عشرين ألف تلميذ وبالمدارس الاعدادية 1600 تلميذ. والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا توسعت شريحة الأولياء الراغبين في التعليم الخاص لأبنائهم؟ وما هي نتائج هذه الهجرة وانعكاساتها على تكوين التلاميذ؟ «الشروق» تحدثت الى بعض الأولياء والمسؤولين بالقطاع الخاص بحثا عن إجابات. لئن كان اختيار التلاميذ التعليم بالمعاهد الخاصة هو اضطرار لدى أكبر شريحة منهم نتيجة انعدام إمكانية الاسعاف حيث يبلغ عددهم حاليا 52 ألف تلميذ فإن التعليم الابتدائي الخاص هو اختيار من الولي. وفي الماضي كان المقبلون على هذا النوع من التعليم هم الشريحة الميسورة التي تتوفر على امكانيات مادية محترمة فكانت المدارس ضئيلة جدا وتقتصر على المدن الكبرى بينما الملفت للانتباه أنه تمّ احداث مؤسسات تربوية ابتدائية جديدة منذ السنة الدراسية الفارطة في الولايات الداخلية مثل القيروان وقفصة والقصرين ومدنين وسيدي بوزيد بعدما كانت مقتصرة على الولايات الساحلية فقط لاحتضان أبناء الطبقة الوسطى. بعض الأولياء صرّحوا بأنه حاليا لا فرق بين التعليم الخاص والعمومي في التكاليف وذكرت أمينة أنها فكرت مليا قبل دخول ابنتها للمدرسة وسألت الأولياء عن تكاليف الدراسة بالتعليم العمومي فوجدت أنه صحيح أن المدرسة مجانية غير أن مصاريف وضعها بالمحضنة المدرسية ومصاريف الدروس الخصوصية التي يفرضها المعلمون تناهز تكاليف دخولها الى المدرسة الخاصة التي تتولى احتضان الطفل ليوم كامل ولا تفرض دروسا خصوصية. وذكرت عروسية الباهي أنها اختارت التعليم الخاص لأنه الأفضل بالنسبة لها في التوقيت كما يحظى باهتمام كبير من قبل الاطار التربوي وتكوين أفضل بكثير حسب رأيها من المدرسة الحكومية وقالت:«إن الطفل بالمدرسة الخاصة يتمكن أيضا من اللغات بصفة مبكرة وأمام كل هذا ينتفي الاهتمام بالتكاليف التي تناهز 200 دينار في الشهر الواحد! مكره لا بطل لاحظنا خلال حديثنا الى الأولياء الذين اختاروا التعليم الخاص أنهم ليسوا مخيّرين في ذلك لأنه عندما تلتقي مصلحة أبنائهم بالتكاليف تصبح مصلحة أبنائهم في المرتبة الأولى وأفادت لمياء الماجري أنها اتخذت هي وزوجها قرارا نهائيا منذ دخول أول طفل لها للمدرسة يتمثل في ارتقاء سلم العلم والمعرفة بالمدرسة الخاصة. وأضافت أن أبناءها الثلاثة حاليا يدرسون بمدرسة خاصة ونتائجهم طيبة جدا لكن السؤال الذي يفرض نفسه كيف تجابه هذه العائلة مصاريف تناهز 5 آلاف دينار في السنة؟..إجابة السيدة لمياء واضحة وصريحة وتتمثل في أن زوجها العائل الوحيد للعائلة بعد تخلّيها عن العمل وعنايتها بالأبناء يستعين على ذلك بالحصول على قرض بنكي. وأوضحت أن العائلة تتحمل الفوائض بهدف تدريس الأبناء في ظروف جيدة. وتساءلت بدورها أوَ ليس تخصيص المال لتربية الأبناء وتعليمهم هو استثمار للمستقبل؟ وأكدت أنها لا ترضى أن ينشأ الأبناء في ظروف غير ملائمة وأن يرتقوا سلّم المعرفة بتكوين ضعيف أو متوسط. وأشارت الى أنه يوجد فرق كبير بين التكوين في التعليم الابتدائي العمومي والخاص والمناظرات الوطنية أفضل دليل على ذلك كما توفر المدرسة الخاصة حماية أكبر للتلميذ لأنه يقضي بها النهار كله كما يدرس اللغات وعندما ينتهي من الدراسة ينتظر الولي داخل المدرسة. وأضافت أن ظاهرة غياب المعلمين غير موجودة بالتعليم الخاص وعندما يتغيب المعلم لأسباب قاهرة يتم تعويضه بمعلم مؤهل للتدريس خلافا للتعليم العمومي الذي يشكو تفشّي الظاهرة. وذكر رضا حرباوي ولي لطفلين بالمدرسة الخاصة أنه نقل ابنه من احدى المدارس الحكومية خوفا عليه من الاختلاط بتلامذة لا يرغبون في التعلم وسلوكهم سيئ فهذا النوع من هذه المدارس حسب رأيه يجد طفله الوقت الكافي لتعلم أشياء كثيرة منها الصالح ومنها الطالح. وحول تكاليف التكوين بالتعليم الخاص ذكر أنه يحاول مواءمة الميزانية وفقا لمقتضياتها مشيرا الى أنها لا تختلف كثيرا عن التعليم الحكومي نظرا لتكاليف الدروس الخصوصية والمحاضن واللوازم المدرسية الكثيرة وغيرها من المصاريف الطارئة. وبينما كانت نجوى بن حميدة في انتظار أبناء اخوتها تحدثنا إليها عن دوافع اختيار مدرسة خاصة رغم ارتفاع الكلفة فقالت إن والدتهما رحمها الله مربية وجدتهما كذلك ويدركان أن التعليم بهذه المدارس الخاصة هو الأفضل رغم التكاليف. وأوضحت أن الطفل هنا مؤطر بطريقة جيدة ويظلّ طيلة اليوم بالمدرسة بين التعلّم والمراجعة والترفيه. ولا يختلف الطاهر الراجحي عن هذا الرأي لكنه لا يستطيع تحمل تكاليف طفلين بالتعليم الخاص. ويرى أن الولي يمكنه مساعدة ابنه على تلقّي تكوين جيد حتى في المدارس الحكومية وذلك بمتابعته ومساعدته في المنزل على المراجعة والمطالعة بصفة يومية إضافة الى زيارة الأساتذة والمعلمين بصفة متواصلة. إقبال أفاد السيد عبد اللطيف الخمّاسي رئيس الغرفة الوطنية للتعليم الخاص أن إقبال التونسي على هذا القطاع يزداد سنويا حيث يجد الولي الاطار والكفاءة العالية لتكوين طفله. وقال: «ان عدد المدارس الابتدائية الاعدادية الخاصة في تزايد ونتائج التلاميذ بها جيدة مقابل تراجع في عدد المعاهد الخاصة ونتائج غير مرضية عموما للتلاميذ». وذكر أن التونسي يراهن على تعليم ابنه بصفة جيدة ويدرك أن المعرفة هي أساس الحياة كما أن توفير فرص تعلّم اللغات موجودة بالتعليم الخاص ونحن اليوم في عالم هو عبارة عن قرية ونحتاج للتعامل مع الجميع. وذكر أن عدد المدرسين المنتدبين في التعليم الابتدائي يناهز 1200 مدرس فيما تطالب المعاهد بانتداب 40٪ من مجموع مدرسيها وذلك حسب القرار الوزاري الصادر في 9 ماي 2008. وخلُص الى القول بأن التعليم الخاص له نفس أهداف التعليم العمومي ويحتاج الى مزيد الاحاطة من سلطة الاشراف حتى يواصل الاضطلاع بمهمته كما ينبغي. وقال السيد منصف العياري نائب مدير احدى المدارس الخاصة: إن «الاقبال على المدرسة يتزايد من سنة الى أخرى خاصة السنوات الأولى أي من التحضيري الى السنة السادسة». وحول دوافع الولي حسب احتكاكه بهم يوميا ذكر أنه يشعر بأن ابنه مؤطر بصفة جيدة ويتلقّى التربية والتكوين في آن واحد. وأضاف أن المدرسة توفّر للتلميذ الاحاطة كما يوجد مختصون في البيداغوجيا يهتمون بالحالات التي تحتاج الى الدعم. وحول ارتفاع كلفة التعليم الخاص قال:«هي ليست تجارة والمعاليم تحدّدها الكلفة والمصاريف». وعموما تظلّ بوادر الهجرة الى التعليم الخاص في حاجة الى درس ونظر من قبل سلطة الاشراف حتى يحافظ التعليم العمومي على مكانته فيعدل الأسعار بالنسبة للخواص ويحول دونهم ودون الترفيع فيها حدّ الشطط من جهة وتقي بعض الأولياء من التورط في المديونية لأجل مصلحة أبنائهم من جهة أخرى. وحريّ بسلطة الاشراف أيضا مراقبة المدارس الخاصة لتقوم بالواجب الموكول إليها بصورة جيدة.