تونس الصباح تتواتر الاخبار على صفحات الجرائد والمجلات العربية حول أعمال الرقابة على المصنفات الفنية والادبية. منع كتاب في هذا البلد العربي وصودر عدد من احدى المجلات الادبية في بلد آخر واشترط حذف عدة دقائق من فيلم كي يسمح ببثه في مهرجان سينمائي ببلد عربي كذلك وغير ذلك من الاخبار التي تصلنا في هذا المجال. لا يغيب عنّا أن الرقابة في مفهومها المطلق على الابداع لا تغيب عن أي مكان حتى وإن كان الفرق شاسع بين البلدان. الحرية تبقى نسبية والرقابة تظل موجودة حتى وإن اختلفت الاشكال. العوامل السياسية ليست لوحدها تقف حائلا دون حرية التعبير وحرية النشر والترويج. هناك أيضا العوامل الاقتصادية والاخلاقيات التي تفرضها المجتمعات إلخ... لكن وإن تمكنت المجتمعات الغربية من الحد إلى درجة كبيرة من الرقابة على الابداع عموما وعلى حرية التعبير حتى أننا نكاد نقول أن الحرية هناك تبدو وكأنها مطلقة فإن البلدان العربية لا تزال تعتمد طرق بدائية في التعامل مع مسألة الرقابة على المصنفات الفنية والابداعية حتى أن" بيار أبي صعب" المشرف على الصفحات الفنية بصحيفة "الاخبار" اللبنانية وصف الرقابة في بلده فقال أنها "توقفت عند القرن التاسع عشر". واحة الحرية وإن كنا ربما لا نستغرب الاخبار التي تأتينا من بلدان عربية تعتبر فيها الرقابة مؤسسة مقننة ومنظمة فإننا نستغرب أن يحدث هذا الامر في لبنان الذي وكما قال بيار أبي صعب ننظر إليه كعرب على أنه واحة الحرية والابداع. وقد منع مؤخرا فيلم إيطالي للمخرج باولو بينفينوتي من المشاركة في مهرجان بيروت الدولي للسينما بسبب ما وصف بالمساس بالكنيسة حتى وإن كان الفيلم وكما فهمنا يتحدث عن الكنيسة خلال القرون الوسطى وهو ما أثار احتجاجا كبيرا في لبنان حيث اعتبر هذا العمل مصادرة للحريات. وأثار منع الكتاب الاخير "يساري أردني على جبهتين" للكاتب الادرني ناهض حتّى ردود أفعال مستنكرة عند المثقفين الاردنيين الذين وقفوا إلى جانب الكاتب لان قرار المنع وفق ما نقله الصحفي أحمد زعتري على لسان رئيس تحرير جريدة "الغد" في مقال حول الموضوع "سلوك عبثي ينتمي إلى شريعة القرون الوسطى". أما في مصر فإن خبر تخلي السيد علي أبو شادي عن مهامه كمشرف عام على الرقابة على المصنفات الفنية لم يمر دون أن يثير بعض المخاوف عند جماعة السينما والعاملين بالحقل الثقافي عموما. الامر يبدو غريبا بعض الشيء لان الرقابة في المطلق شيء مرفوض أمّا عندما تتحول المسألة إلى مؤسسة مقننة فإن أقصى مطالب الناس تصبح تخفيف الاضرار أقصى ما يمكن. والمعروف عن علي أبو شادي رئيس هيئة قصور الثقافة بمصر ومدير مهرجان الاسماعيلية الدولي للافلام التسجيلية والمتوسطية أنه كان يمنح مساحات كبيرة للمبدعين لتمرير أعمالهم وهو حسب ما صرح به إلينا كان مشرفا على الرقابة "كي تعمل الناس وتنتج بحرية". وقد أسرع خلفه إلى طمأنة المصريين من خلال التعهد في تصريح صدر بصحيفة "الاهرام" المصرية بأنه لن يبقي فقط على "المكانة المحترمة للرقابة" في عهد سلفه وإنما "يطمح للمزيد". مصادرة في زمن «الواب» وغابت على ما يبدو مجلة "الآداب" المصرية على مايبدو عن الاسواق بسوريا مؤخرا وفق ما أكدته الصحافة العربية ولاسباب تعود إلى اهتمامه بموضوع اعتبر- من الرقيب -أنه يحمل عناصر لا تخول السماح بتداوله في هذا البلد. ولا تقتصر الامثلة على مصادرة العقول والقريحة في البلدان العربية على ما ذكرنا ولكن اختيارنا لهذه الامثلة كان من منطلق حداثتها وكذلك لمدى ما تركته من ردود أفعال في الساحة الثقافية العربية. الامر الذي يجعلنا نستغرب كيف تواصل الرقابة في الدول العربية الاشتغال بنفس الاسلوب ونحن في زمن "الانترنات" بامتياز. فما لا تقرأه في الكتب تعثر عليه على "الواب" وما لا تشاهده في قاعات السينما تعثر عليه بسهولة في محلات بيع المصنفات الفنية إلخ... وهي أي الرقابة إذ تكلف المجتمع نفقات إضافية فهي تعطي صورة لا نود أن نراها عن بلداننا حيث لايزال يشار إلينا بالاصابع على أننا "نصادر الحريات وخاصة حرية النشر والتعبير". وكما سبق وذكرنا فإن الرقابة لا تكاد تكون غائبة عن أي زاوية من العالم وقد شاهدنا الصحافة في الولاياتالمتحدة وقد ضرب حولها حصار خلال الحرب الاخيرة على العراق ومارست اسرائيل التي تدعي التشيّع لحرية التعبير نفس الاسلوب خلال عدوانها الاخير على غزة وقد منعت كتب لسبب أو لغيره في فرنسا وتمت معالجة الامر عن طريق الاموال والضغوطات لكنها في بلداننا تتخذ شكلا يجعلها مستفزة للاعصاب وما هو نادر وشاذ في بلدان متقدّمة هو عادة وقاعدة يقاس عليها في بلداننا. وقد كلّف المجتمع إلى جانب ما ذكرنا تكريس ما يسمى بالرقابة الذاتية عند المبدع مما يعيق حركة الابداع ويحرم المتلقي من أعمال في مأمن من شتى أنواع الرقابة. وقد سبق أن أدان جانب من المثقفين العرب اللوبي الصهيوني الذي لعب مؤخرا دورا في إسقاط مرشح العرب إلى منصب الامين العام لمنظمة الاممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" رغم أنه كان من أصحاب أكثر الحظوظ بالفوز بالمنصب. ولان اللوبي الصهيوني لعب فعلا دورا كبيرا في ذلك لمعاداته المتواصلة للمنطقة العربية فإن العرب يتحملون بدورهم المسؤولية في ذلك. فكيف يمكن للعالم أن يضع مفاتيح اليونسكو بين يدي رجل حتى ولو كان يملك كل المواصفات لذلك فهو ينحدر من منطقة تمارس الرقابة على العلن بل الرقابة جزء من حياة الناس وخاصة أهل الثقافة والابداع. كيف يحدث ذلك وهو يمثل شعوبا إن غاب فيها مقص الرقيب المصري تلتجئ إلى الرقابة الذاتية.