تونس - الصّباح: تمثل العاصمة بالنسبة لبعض الطلبة الجدد نمطا مجتمعيا يصعب التأقلم معه وحياة وان اتسمت بالرفاه فهي لا تخلو من الكثير من التعقيدات خاصة لأولئك الذين تركوا عالمهم الصغير ليندمجوا في مجتمع أقل ما يقال عنه انه مختلف ومغاير ليعاني بذلك بعض الطلبة صعوبة بالغة في التأقلم مع حياتهم الجديدة وتحديدا مع مدينة متشعبة لا تبدو معالمها واضحة للكثيرين بالعاصمة. شعور بالغربة بون شاسع وهوة عميقة بين الانتقال من بيئة ومحيط يطغى عليه طابع الهدوء والسكينة الى العاصمة بأجوائها الصاخبة. ورغم ما توفره الحياة الجامعية لطلابها من احساس بالحرية والانفتاح وعدم التقيد والقدرة على اثبات الذات الا انها لا تخلو من صعوبات يعززها احساس «بالغربة» وهو ما تعبر عنه الطالبة سعيدةأصيلة منطقة الكاف وطالبة السنة الأولى اختصاص منازعات ادارية وجبائية حيث اضطرت في بادئ الامر الى جلب شقيقتها حتى تتعرف على العاصمة وتستكشف طبيعة المدينة مضيفة أنها اضطرت الى مغادرة المبيت الجامعي لتقطع بذلك يوميا المسافة الفاصلة بين كليتها وموطنها الأصلي لفرط احساسها بالغربة وصعوبة التأقلم مع حياتها الجديدة والتي لم تستطع التغلب عليه مضيفة أنها تعودت على نمط حياة وأجواء معينة يصعب الابتعاد عنها أو حتى مقارنتها بطبيعة المكان. ومن دفء الاجواء العائلية الى حياة المبيت الجامعي نقلة فعلية تكشف عن عمق الايام التي تفصل المرحلتين عن بعضهما البعض حيث يكون الاختلاط والعيش تحت سقف مشترك بين مجموعة من الفتيات الذي يشكل اختلاف انتماءاتهن خليطا من الطبائع والعادات والتقاليد وهو ما يجعل البعض ينفر من طبيعة هذه الاجواء والعيش المشترك الذي يتطلب في بعض الاحيان تنازلات. وضعية العيش المشترك وتقاسم غرفة واحدة مع مجموعة من الفتيات دفعت بالطالبة ايناس سنة اولى اقتصاد الى كراء شقة مع والدتها التي قررت مرافقتها في أيامها الاولى بالجامعة. اختلاف في العقليات الانتقال من بيئة معينة الى أخرى او التعود على نمط معيشي محدد قد لا يكون العائق الاساسي امام بعض الطلبة في التأقلم مع واقعهم الجديد ليكون بذلك الاشكال الفعلي لدى البعض منهم في تصادم الافكار واختلاف العقليات الناتجة عن اختلاف ظروف النشأة. نور الدين الفردي طالب سنة اولى بكلية الآداب منوبة واصيل منطقة توزر يؤكد ان شعورا بالاختلاف واحساسا بصعوبة التأقلم راوداه لدى قدومه الى العاصمة وتعامله مع زملائه وهو احساس غير مقترن بمؤشر المكان بقدر اقترانه بصعوبة في الاندماج مع زملائه انطلاقا من نوعية الاحاديث المطروحة بينهم فهم «يميلون الى الاحاديث المتعلقة بالتكنولوجيا وآخر صيحات الموضة أما أنا فتعودت على الخوض في مواضيع أكثر جدية» حسب قوله. صعوبة في التنقل ورغم الاختلاف في المكان والعقليات الا ان بعض الطلبة يعزو الصعوبة الفعلية الى التنقل بين المبيت الجامعي والكلية وهو امر غير معتاد عليه بالنسبة للبعض منهم. مراد الزوابي اصيل ولاية باجة يشير ان ظروف التنقل بين المبيت الجامعي والكلية ليست بالامر الهين في ظل صعوبة توفر حافلات تؤمن ذلك حيث يضطر للانتظار طويلا امام الجامعة مضيفا ان الحياة هنا اعقد بكثير مما هي عليه في موطنه الاصلي. تجربة مميزة ولكن رغم ذلك تمثل الدراسة الجامعية في العاصمة تجربة مميزة لدى البعض حيث تمكنهم من اكتشاف حياة جديدة والاطلاع على خبايا عالم يظل يحتفظ بسحر اجوائه لتكون بذلك الحياة فيه غاية يسعى الكثيرون من الطلبة الى فك رموزها وخوض غمارها. وفي هذا الصدد تقول سندة بوراوي اصيلة منطقة سوسة وطالبة في الاعلامية: «لم اشعر بصعوبة في الاندماج اطلاقا فطبيعة الاجواء هنا ساحرة ثم انني سرعان ما تعرفت على رفيقات من ولايات عدة وها نحن نستمتع بمميزات الحياة الجامعية معا..» مثل هذا الموقف يشرّع لوجود دوافع أخرى وراء صعوبة اندماج البعض من الطلبة في حياتهم الجامعية ليؤكد في هذا الاطار الدكتور عماد الرقيق اخصائي في علم النفس ان سلوك بعض الطلبة هو سلوك منتظر مرده خصوصية كل جهة وخاصة طبيعة كل فرد لذا وجب احترام كل السلوكيات ثم ان الشعور بعزلة او غربة ناتج عن شخصية كل فرد وهي نابعة من خصوصية جهته مشيرا الى ضرورة الاندماج والتفاعل مع المجموعة.