تونس الصباح احتضنت قاعة المحاضرات بمدينة العلوم بتونس مساء السبت الماضي محاضرة علمية القاها «الكاردينال جون لويس توران» رئيس المجلس البابوي للحوار بين الاديان، هذه المحاضرة التي دعا اليها كرسي بن علي لحوار الحضارات، حضرها لفيف من سفراء البلدان الاوروبية بتونس الى جانب مجموعة من الاكاديميين والباحثين والطلبة.. بعد ان استعرض المحاضر جملة من السمات التي تطبع المشهد العالمي راهنا مثل ظاهرة الحروب والازمات الاقتصادية وبعض التجارب العلمية غير المتحكم فيها باعتبارها محاذير ومنزلقات يمكن ان تعود على البشرية بالضرر وبعد ان اكد بالمقابل على شرعية البحث والتساؤل باعتبارهما خاصيتين ملازمتين للانسان تاريخيا عاد «الكاردينال جون لويس توران» الى التاكيد على مبدا الحوار باعتباره وسيلة للوصول الى حالة تفاهم تكون مقبولة ومقتنعا بها من طرفي هذا الحوار: نزاهة ورغبة على انه من شروط نجاح هذا الحوار يضيف المحاضر ان تكون هناك رغبة متبادلة في فهم الاخر والاستعداد للاجتماع على لغة واحدة والتحلي بالنزاهة خاصة في التاويل... بمعنى انه لابد ان تكون هناك علاقة ثقة لا بين الديانات، وانما بين اهل الاعتقاد والمتدينين على اعتبار ان الحوار هو في الاصل بين هؤلاء وليس بين الديانات ذاتها. وما من شك انه من بين مظاهر هذا الاستعداد والرغبة في الحوارو الفهم بقدر كاف من النزاهة يضيف المحاضر ان يكون كل طرف على استعداد تام لفهم حجج الطرف الاخر تماما مثل فهمه لحججه هووذلك انطلاقا من التسليم بحقيقة ان كل الناس هم عيال الله وانهم جميعهم مخلوقات له وانه من حق كل انسان ان يعتمد على عقله في الفهم والوصول الى الحقيقة... وايضا الاستعداد على المداومة من اجل العمل والاجتهاد للاقتراب من الله... أي من الحقيقة. فالحوار بين الاديان ليس مجرد قيمة نظرية بل هو جزء من كنه الانسان... ثم ومن اجل توفير اكثر ما يمكن من عوامل النجاح ولاثراء هذا الحوار وجعله ايجابيا ومفيدا، لابد ايضا أن يكون المحاور يمتلك صورة واضحة وفهما صحيحا لديانته هو ومكونات عقيدته وان يكون يعتقد ابتداء وجديا في حسن نية الطرف المقابل وفي وجود قيم مشتركة بين المسيحية والاسلام خاصة وذلك من اجل التفكير معا في ما يمكن ان ننجزه معا لصالح البشرية لذلك، يضيف المحاضر، لابد ان يكون هذا الحوار عبارة عن رحلة حج مشتركة باتجاه القيم التي هي في خدمة البشر اينما كانوا بصرف النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم... هل هناك مخاطر؟ اما عن امكانية بروز بعض المخاطر والمحاذيرمن شانها ربما ان تمثل خطرا على مسيرة هذا الحوار، وجدواه فان المحاضر نبه خاصة الى ضرورة الا يتطرف احد الطرفين في الإنتصار لوجهة نظره الى حد التعصب ونفي الاخر... فالانتصار للمعتقد الذاتي يضيف المحاضرحق من حقوق كل طرف، ولكن ذلك لا يجب ان يكون الى درجة التعصب ونفي الاخر... وقد اعطى «الكاردينال جون لويس توران» في هذا المجال مثالا اثار ردود فعل لدى بعض الحاضرين عبروا عنها في النقاش... فقد اشار الى ان المملكة العربية السعودية، مثلا، لا تسمح للمسيحيين المقيمين بالمملكة ببناء الكنائس ليقيموا فيها شعائرهم... فأخذ الاستاذ صلاح الدين المستاوي، عضو المجلس الاسلامي الاعلى، الكلمة اثناء فترة النقاش واشار الى ان الصبغة الدينية المقدسة لكل من مكة والمدينة هي التي تحول عقديا دون السماح باقامة دور عبادة غير اسلامية على اراضيهما وهي ذاتها التي تفرض حتى على المسلم بالا يدخلهما الامحرما... اما فيما عدا هذين البقعتين يضيف الاستاذ المستاوي فان حرية اقامة الشعائر مضمونة لغير المسلمين في كامل اراضي المملكة العربية السعودية... «الكاردينال جون لويس» توران تحدث ايضا في محاضرته هذه عن واقع الحوار الاسلامي المسيحي فاشار الى ان الحوار بين المسيحية والاسلام هو الاكثر تهيكلا فهناك لجان مختلطة ومؤسسات اكاديمية لتنشيط مثل هذا الحوار... فهناك مثلا مؤسسات في الاردن وفي ايران وهناك المنبر الاسلامي الكاثوليكي ...ولكن هذا لايعني طبعا ان الامور مثالية وانها على احسن مايرام... كما تحدث ايضا واكد على ضرورة الالتفات الى حقيقة ان الانسان اليوم ودائما في حاجة ايضا الى اشياء اخرى غير الخبز ...فهو في حاجة ايضا، يقول المحاضر، الى السلام والى المساواة والكرامة والديمقراطية والعدالة... وهي قيم واهداف يجب ان نعمل مسلمون ومسيحيون على تحقيقها لانها من صميم تعاليم الديانتين... يجب ان نعمل كمسلمين ومسيحيين معا من اجل مثل هذه الاهداف لاننا نؤمن جميعا بأن البشرية هي «عيال الله» وانها من خلقه وحده... علينا جميعا مسيحيين ومسلمين ان نرفع معا تحدي الاعتراف بالآخر..