أصدرت وزارة التربية والتكوين في المدة الأخيرة منشورا سيتم بموجبه إرساء تقييم لمكتسبات تلاميذ السنة الرابعة في نهاية الثلاثي الثالث من كل سنة دراسية سيكون على شكل مناظرة باعتماد اختبارات موحدة على الصعيد الوطني تستهدف فيس مدى تملك تلاميذ هذه السنة لمختلف الكفايات المدرجة بالبرنامج الرسمي في مجالات التعلم الخاصة باللغة العربية واللغة الفرنسية والعلوم (رياضيات وإيقاظ علمي) وذلك بداية من السنة الدراسية الحالية 2006 2007 وفق تراتيب معينة فصّلها المنشور المذكور. إن عديد المسائل التي جاء بها هذا المنشور في حاجة الى التوضيح سواء في الجانب المتعلق بأسباب وغايات الإجراءات الواردة أو في ما يتعلق بمواد التقييم وبمقاييس النجاح والرسوب التي ستعتمد في هذه المناظرة. لقد طرحت الإجراءات الجديدة عديد التساؤلات في صفوف المعلمين والعائلات والمهتمين بالشأن التربوي عموما وهو ما دفعنا الى طرح هذه التساؤلات وإبداء الرأي في هذه الإجراءات. لماذا تقييم على المستوى الوطني ولتلاميذ في سن العاشرة وفي آخر سنواتهم الأربع الأولى من الدراسة ألا يذكر هذا الإجراء ب «السيزيام» هذه الطريقة في التقييم التي خلناها ذهبت من دون رجعة أليس هذا «سيزيام صغير»؟! هل وقع إجراء تقييم تشخيصي شامل للمنظومة التعليمية في درجاتها الثلاث الأولى مثلا ودرست نتائجه ونشرت وحتم مثل هذا الإجراء وتحديدا لهذه الدرجة من التعلّم؟ لماذا سيقع تطبيق هذا الإجراء على تلاميذ السنة الرابعة فقط وهل ما يصلح لتلاميذ هذه الدرجة لا يصلح لبقية تلاميذ الدرجات الأخرى؟ إن أول ما يمكن ملاحظته بعد هذه التساؤلات المعبرة بحق عن مدى انشغال الأسرة التعليمية وعائلات التلاميذ بما يحدث في مؤسستنا التعليمية هو الطريقة التي تعاملت بها وزارة التربية والتعليم مع المسألة ذلك أنها اصدرت الإجراءات ونزلتها للتنفيذ وكأن الأمر لا يعني لا المواطن ولي التلميذ الذي لم تكلف نفسها غير إعلامه ولا المدرسين الذين اختزلت العلاقة بهم في واجب التنفيذ. يتحدث المنشور عن أن سبب إجراء مناظرة لتلاميذ الرابعة هو الحرص المتواصل على تطوير المنظومة التربوية في مستوى المرحلة الابتدائية كيف سيكون ذلك ؟ هل ستكون هذه المناظرة عصا سحرية ستمكن من رفع المستوى الذي عليه تلاميذ مدارسنا اليوم ؟ إن تطوير المستوى تحكمه عوامل عديدة لا بد من دراستها إذا ما رمنا فعلا تحسين المستوى والرفع من مردودية المؤسسة التعليمية ولا نخال المناظرة هي أحد هذه العوامل. لماذا سنرمي بأطفال صغار في مواجهة مغامرة لا يملكون القوى الكافية لمواجهتها ولماذا سنخرجهم مما اعتادوا عليه وماذا يمتلك أطفال في مثل سن أطفال السنة الرابعة من التعليم الاساسي من خبرة حتى نخضعهم الى مثل هذه الرهبة والخوف اللذين يولدهما الشعور بالامتحان كيف لهم أن يتحملوا مثل هذا الخوف ألا نخشى على هذه البراعم من الانكسار والإرباك وهو ما سينجر عنه ودون أدنى شك الإخفاق؟ ألم نقر لهذه الاعتبارات حسابا. كذلك لا بد من الاشارة الى أنه من غير الجائز منطقيا وبيداغوجيا أن يقع القطع مع طريقة للتقييم كانت قائمة سنوات وتعود بها التلاميذ وتستجيب لظروفهم التعليمية والنفسية حيث أن هؤلاء التلاميذ قد تعودوا على إجراء التقييمات دون ضغوطات وخوف من الفشل، هذا الشعور الذي ستولده عملية التناظر التي سيخضع لها تلميذ السنة الرابعة لأن لا سنهم ولا وعيهم بالأشياء يمكنانهم من أن يتمثلوا ويتجاوزوا مثل هذه الوضعيات ومن هذا المنظور لا بد من القول إن مجرد شعور هؤلاء الأطفال بأنهم سيخضعون لعملية فرز لا يمكن إلا أن تولد لديهم شعورا بالخوف من الفشل ولا شك أن ذلك الشعور سيفعل فعله ويؤثر بالسلب على مستوى النتائج وعليه فالمناظرة لمن هم في هذا السن ستكون عاملا من عوامل القهر المسلط على الناشئة والتي ستكون نتائجه ولا شك جد سلبية على المسيرة التعليمية لهؤلاء الأطفال . إن قرارا بمثل هذه الخطورة كان من المفروض دراسته وفحصه وتقليبه من كل الجوانب قبل إقراره وتنزيله للتنفيذ. * مقاييس التقييم وتحسين المستوى بدورها مقاييس التقييم التي وضعتها الوزارة لمن سيشاركون في هذه المناظرة تطرح عديد الإشكاليات . أولا الإجراءات الجديدة لا تختلف كثيرا في باب مقاييس الارتقاء والرسوب عن المقاييس المطبقة في السنوات السابقة بالنسبة للسنة الرابعة بحيث تترك باب الارتقاء مفتوحا أمام حتى من يحقق التملك الأدنى (10 من 20) في اختبارين اثنين على الأقل شرط أن لا تكون نتائجه في كل اختبار من الاختبارين المتبقيين أقل من 8 على 20 ولماذا 8 بالتحديد ونحن نعلم جميعا أن درجة التملك دون الأدنى تبدأ من 5 الى ما دون 10 من 20 فهل من سيحققون 7 أو 6 أو 5 نقاط يختلفون من حيث تحقيق الكفايات عمن سيحققون 8 أو 9 ؟ ألا يوجدون في نفس الدرجة والفروقات بينهم ليست فروقات نوعية في درجة تملك الكفايات فلماذا نعتبر الأولين يمكن لهم مواصلة التعلم في الدرجة الموالية بينما نحرم الآخرين من ذلك . وإضافة لما تقدم لماذا لم يقع تعميم مثل هذه المقاييس على بقية درجات التعليم الابتدائي الدرجة الأولى والدرجة الثالثة إذا كانت هذه المقاييس فعلا مدروسة وعلمية وستحسن المستوى! أيمكن لنا بعد كل هذا أن نعتبر أن الوزارة بهذه الإجراءات قد قطعت مع المنهج القائم في ما يخص الارتقاء والرسوب والذي تعبر عنه هذه الفقرة من منشور وزاري أحسن تعبير «يمثل الارتقاء مظهرا من مظاهر إرساء بيداغوجيا النجاح ويعتبر المسلك الطبيعي للتدرج في مسار الدراسة وهو ما يجعل الرسوب إجراء استثنائيا لا يمكن أن يشمل إلا الحالات النادرة»(1). كذلك لماذا لم تقع الاشارة في مقاييس الارتقاء والرسوب الى التلاميذ الذين رسبوا السنة الفارطة في السنة االرابعة وهم يعيدون هذه السنة نفس التعلمات والى التلاميذ المدمجين من ذوي الإعاقات الخفيفة والمتوسطة ذوي النسق البطيء في التعلم ! هل سيرتقون آليا أم سيعيد من لا يتمكن منهم من النجاح نفس التعلمات للسنة الثالثة على التوالي ! ولماذا وقع التغافل عن مجرد الإشارة اليهم وهم بالآلاف؟ أم أننا في انتظار إجراءات مخصوصة لهؤلاء التلاميذ وماذا ستكون غير الارتقاء الآلي؟ ألا يعكس كل ذلك الطريقة المتسرعة التي عولج بهذا الملف؟! إن المناظرة بما ستفرزه من نتائج حسب المقاييس المذكورة والتي سيعمل بها لن تمثل عتبة لتحسين المستوى باعتبار أن كثرة كثيرة من التلاميذ الذين هم ليسوا في مستوى التملك الأدنى في الأربع مواد التي ضبطتها المناظرة سيجدون أنفسهم يتابعون تعلمهم في الدرجة الموالية. وبالتالي فالغاية المصرح بها أي تطوير أداء المنظومة التربوية أي بمعنى تحسين المستوى وحصرها في مجرد مناظرة غاية لا يمكن تحقيقها. إن أحد أهم أسباب تدني المستوى الذي عليه تلاميذ اليوم تلاميذ مدرسة تعليم الكفايات يعود للنجاحات المزعومة التي انجرت عن مقاييس الارتقاء والرسوب المعتمدة منذ الانطلاق في العمل بهذه المقاربة والتي وقع التنويه بها (أي المقاييس) كثيرا وقدمت على أنها تحوّل نوعي في مناهج التقييم . وبالتالي فبالمناظرة أو من دونها سيظل المستوى على حاله إن لم يقع تحديد ودراسة كل العوامل المساهمة في ضعف المستوى والتخطيط لتجاوزها. ويمكن الاشارة في هذا الشأن الى بعض العوامل الاساسية والتي من دونها لا يمكن الحديث عن تحسين المستوى: تحسين المستوى يكون بتحسين ظروف التعلم بدرجة أولى . (ظروف المؤسسة التعليمية وظروف المعلم). تحسين المستوى لا يكون بمعالجة الظاهرة (ظاهرة ضعف المستوى) في درجة واحدة لأن ضعف المستوى موجود في الدرجات الثلاث وبالتالي فالمعالجة الحقيقية يجب أن تبحث في الظاهرة في كل الدرجات وتوجد لها الحلول ولا نعني هنا ضرورة تعميم المناظرة على الدرجات الثلاث. تحسين المستوى لا يكون إلا بتشريك المعنيين بالعملية التعليمية وعلى رأسهم المعلمون عبر هياكلهم النقابية والأولياء والمهتمين بالشأن التربوي في كل قرار يهم التربية والتعليم. * حول مجالات التعلم المستهدفة بالتقييم جاء بالمنشور أن الاختبارات التقييمية ستشمل مجالات التعلم الخاصة باللغة العربية واللغة الفرنسية والعلوم ففي مجال اللغة سيقع تقييم: القراءة والفهم والانتاج الكتابي باللغة العربية. القراءة والفهم والانتاج الكتابي باللغة الفرنسية. أما في مجال العلوم فسيقع تقييم: الرياضيات. الإيقاظ العلمي. أول ما يلاحظ هو لماذا وقع التخلي عن تقييم التلاميذ في المواد الأخرى التي يدرسونها (التواصل الشفوي باللغتين العربية والفرنسية وكل مواد مجالي التنشئة الاجتماعية والتنشئة الفنية والبدنية) إن ذلك يطرح عديد الأسئلة: ما الجدوى من تعلم مواد لا تخضع للتقييم؟ ما الجدوى من تعلم مواد لن يكون لها أية قيمة في النجاح؟ لماذا يقع تقييم التلاميذ في هذه المواد في ثلاثيتين وتترك في التقييم الثالث؟ ما يمكن أن نستنتجه بعد هذه التساؤلات هو أن التخلي عن تقييم التلميذ في هذه المواد سيولد إهمال هذه المواد أثناء التعلم وعوض أن تساعد هذه المواد على تحقيق نوع من التواصل والتوازن الضروريين في مثل هذه السن المبكرة للتلميذ وتخدم بالتالي عملية التعلم بوصفها عملية شاملة تتكامل فيها المواد سيحصل العكس وبالتالي يمكن القول إن التقييم نفسه بما أنه سيترتب عنه إهمال هذه المواد سيصبح أحد العوامل الفاعلة بصورة مباشرة في عدم التكامل والتواصل بين المواد! أما من ناحية الوقت المخصص لتقييم كل مادة فإن الأمر فعلا يدعو الى العجب ويطرح أكثر من سؤال! كيف يقع تخصيص 60 د لتقييم مادتي القراءة والانتاج الكتابي باللغة العربية على سبيل المثال والحال أن التلميذ تعود ب 45 دقيقة لتقييم مادة القراءة و30 دقيقة لتقييم مادة الانتاج الكتابي. ماذا سيفعل في مواجهة الوضع الجديد؟ كم من الوقت سيكفي التلميذ المتوسط لقراءة السند وكم من الوقت للإجابة عن التعليمات التي ستوضع لتغطي تقييم الكفايات المستهدفة في تقييم إشهادي في القراءة وكم من الوقت سيخصص لفهم المطلوب في الانتاج الكتابي وكم من الوقت سيكون لتحرير ما هو مطلوب ؟ كيف سيوفق تلاميذ صغار في التصرف في 60 دقيقة لإنجاز تقييم مادتي القراءة والانتاج الكتابي باللغة العربية ومثلها للغة الفرنسية؟ ولئن كان هذا التوقيت قد يكفي التلميذ المتميز لإنجاز ما هو مطلوب فلا أعتقد أنه سيكفي التلميذ ذا المستوى المتوسط والأدنى من المتوسط! إن متوسط الوقت التقديري لإنجاز التقييمين لا يمكن أن يقل عن 75 دقيقة فلماذا لم يمنح التلاميذ مثلا 45 دقيقة لإنجاز تقييم القراءة و30 دقيقة لإنجاز تقييم الانتاج الكتابي ويكونان منفصلين للضرورة إذا ما اعتبرنا أن متوسط قدرة التركيز عند الأطفال في مثل هذا السن لا تتجاوز 45 دقيقة. * لماذا لم يقع تشريك المعلمين ؟ لماذا لم يقع تشريك المعلمين عبر هياكلهم النقابية باعتبارهم أدرى بحكم موقعهم على تشخيص المشاكل التي تتخبط فيها المنظومة التعليمية. أليسوا هم من يقومون باستمرار بعمليات التقييم والتشخيص والدعم وبالتالي أقدر من أي كان على اقتراح البدائل الممكنة لمعالجة هذه المشاكل ؟ وحتى لو سلمنا فرضا بجدوى هذا الاجراء لماذا وقع تحييد معلم القسم بحيث لن يساهم إلا في عملية الإصلاح ؟ لماذا لن تمنح له الثقة لإجراء هذا التقييم الإشهادي مثلما جرت العادة؟ ألا تعتبر هذه الاجراءات عملية تشكيك في قدرة المعلمين على تقييم تلاميذهم وعلى تقديم تقييمات محكمة ؟ ألا تضع هذه الاجراءات مصداقيتهم وقدرتهم موضع تساؤل من طرف أولياء التلاميذ أنفسهم ! أليس ذلك تجنيا على المعلم وتحميله مسؤولية تدني المستوى؟ إن ما يمكن الاشارة اليه في هذا الجانب هو أنه إذا ما رمنا فعلا معالجة ظاهرة ضعف المستوى فلا بد من تشريك المعلمين في اقتراح الحلول وتبنيها فنضمن بذلك نجاح خطة الإصلاح لأنه لايمكن أن يكتب النجاح لأي مشروع وفي أي ميدان كان إذا لم يكن نابعا من القائمين على تنفيذه ويحظى بمصادقتهم. * تساؤلات خيرت أن أنهي بهذه التساؤلات التي ستبقى في انتظار الردّ. في صورة تبين ضعف التملك لدى نسبة كبيرة من تلاميذ السنة الرابعة للكفايات المؤمّلة والتي تسمح بمواصلة التعلم اللاحق على من سنلقي بالمسؤولية؟ أعلى مادة الاختبار؟ أم على المقاييس المعتمدة؟ أم على المعلم؟ أم على نظام تعليم الكفايات هل سيقع اعتماد هذه النتائج إن حصلت كمؤشّر دال على ضعف مستوى تلاميذ السنة الرابعة فقط أم أن ضعف المستوى يشمل كذلك تلاميذ السنوات الأولى والثانية والثالثة أيضا أليس تلميذ السنة الرابعة اليوم هو تلميذ السنة الثالثة العام الفارط والثانية والأولى قبل ذلك أم أنه جاء من مسار آخر؟ إذا ما أبرز التقييم ضعف المستوى عموما هل سيقع التخلي عن الشعارات المرفوعة في مدرسة تعليم الكفايات منذ سنوات مثل «النجاح قاعدة والرسوب استثناء» و «مدرسة الغد مدرسة التميز» و»بيداغوجيا النجاح» وعن مبادئ أخرى تقوم عليها هذه المقاربة وبالتالي مراجعة كثير من الأمور الجوهرية المتعلقة بالنظام التعليمي القائم؟ وهي سيؤدي ذلك الى الإقرار بفشل هذه المقاربة والعمل على إصلاح نظامنا التعليمي؟ لماذا لا يقع تقييم تشخيصي لكل مرحلة من مراحل التعليم الابتدائي ويدرس ويعتمد لوضع الحلول الملائمة لتحسين المستوى ونقطع بذلك مع الحلول المرتجلة والمسقطة؟ لماذا لا نفكر في التدريس حسب الاختصاص: (علوم، عربية، فرنسية، تكنولوجيا، تنشئة اجتماعية...)وهو ما يعرف بمعلم المجال. لماذا لا تكون السنة التحضيرية سنة إجبارية لكل المتعلمين ومجانية بالضرورة ونقطع مع واقع عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين والذي يبدأ من سن مبكرة حيث أن هناك نسبة كبيرة ممن لا يمرون بهذا التعليم التحضيري وهو ما يجعل قدراتهم على التعلم في الدرجة الأولى أقل من الفئة المحظوظة وقد تستمرّ هذه الفروق في الدرجات الأخرى ولعل أغلب ذوي المستوى دون التملك أو انعدام التملك هم ممّن لم يمروا بهذه السنة؟ ------------------------------------------------------------------------ 1 من المنشور عدد 76 05 2005 الصادر عن وزارة التربية والتكوين والمتعلق بمواعيد الاختبارات التقييمية الثلاثية بالنسبة للسنة الدراسية 2005 2006 .