هل يمكن أن تفضي قمة كوبنهاغن حول التغيّر المناخي، إلى تغيّر فعلا في المعادلة المجحفة القائمة حاليا بين شعوب الارض المختلفة؟ سؤال، يبدو أنه يتردد في أكثر من عاصمة في العالم، ويقض مضاجع السياسيين ومكونات المجتمع المدني، فضلا عن علماء البيئة وجماعات الضغط المختلفة في هذا المجال.. فعلى الرغم من مسارعة "الملوثين الاربعة الكبار"، كما يحلو للبعض وصفهم، (الولاياتالمتحدة والصين والهند والاتحاد الاوروبي) بحضور القمة، والتصريحات الوعود التي "نفثوها" قبل وصولهم إلى كوبنهاغن، بشأن استعدادهم لخفض نسبة الغازات السامة التي يبثونها في أنحاء العالم، فإن التخوفات تتضاعف، على خلفية التداعيات المحتملة للتغيرات المناخية على الاقتصاد والتنمية والمجتمع، بل حتى على الشؤون العسكرية وتوازنات الجيوش، سيما منها تلك الموزعة بين القارات الخمس وبحارها ومحيطاتها ومياهها الاقليمية والدولية.. تخوفات العالم، سيما الفقير منه أو الذي يسمى "العالم الثالث"، تزداد يوما بعد يوم، في ضوء الدراسات العلمية والبيئية، التي تشير إلى فرضية أن تزيد درجة حرارة الارض بثلاث درجات ونصف درجة بحلول نهاية القرن، وهو ما يعني أن ثمنا أساسيا يتعيّن دفعه في هذا السياق، يخص تراجع محاصيل الحبوب وانقراض عدد كبير من الانواع الحيّة، وارتفاع مستوى المحيطات والهجرة القسرية لمئات الملايين من الاشخاص الذين سيضطرون للفرار من الفيضانات والجفاف، بالاضافة إلى أن ارتفاع الحرارة سيسرّع تحولات الدول، ويفاقم حدة الخلافات الداخلية والحدودية الاقليمية.. ويعلم العسكريون من جهة أخرى، أن العوامل البيئية والجوية تؤثر تأثيراً قوياً في الحرب وكيفية إدارتها، وفي الشأن العسكري برمته، حيث يحملان استراتيجيي الجيوش، على نقل سفنهم وقواعدهم العسكرية في أوقات سريعة بغاية حمايتها.. وتدرك الولاياتالمتحدة في المقام الاول، والدول الاوروبية في الزاوية الثانية للمشهد، اللتان تمتلكان قواعد عسكرية هنا وهناك في جزر عديدة، أن أي تغيير سلبي في المناخ، من نوع الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى صعود مستوى البحار وارتفاع منسوب المياه، واجتياحها لمساحات واسعة من اليابسة، يقتضي بالضرورة، توزيعا جديدا لقواتها وإعادة انتشارها على نحو يحافظ على فعاليتها، حتى وإن كان ذلك على حساب الدول الفقيرة والمجتمعات المسحوقة.. لذلك كانت الجيوش، أحد الاقطاب الرئيسية في مناقشة مسألة المناخ وتداعياته.. لكن هذه التخوفات، تشمل الصينيين الذين يدركون أن ذوبان الجليد، سوف يعود على مزارعهم ومحاصيلهم بنتائج كارثية لا قبل لهم بها، ولذلك سارعت بيكين إلى العلاج، عبر تخصيص نحو 30 في المائة من موازنتها لتكنولوجيا البيئة، فيما يخصص الاوروبيون نحو 12 في المائة فحسب.. وكان جيمس هانسن العالِم الذي كشف مخاطر التغير المناخي في العالم، أعرب عن خشيته من أن يخرج مؤتمر الاممالمتحدة للتغير المناخي، بصيغة تسوية تكرس "سلعنة" انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، على نحو يجعل الملوثين الكبار يقتنون حصص "الصغار" ممن لا علاقة لهم بالتلوث إطلاقا.. وهو ما جعل عديد المحللين، يخشون بدورهم أن تفرز القمة العالمية سوقا ستكون إطارا للدول الغنية للاستمرار في ضخ ملايين الاطنان من الغازات الضارة، مقابل دفع تعويضات إلى الدول الفقيرة، التي تعدّ الطرف المتضرر في راهنها ومستقبلها وأجيالها، وهو ما تترجمه فكرة "بورصة الكربون"، التي تعالت عديد الاصوات لتبشر بها البشرية، وكأنها فتح عالمي "إنساني" لا يشق له غبار.. تلك إشارات بيئية خطيرة، و"تنبيهات" سياسية لافتة، انطلقت من هنا وهناك، لتطلق صيحة فزع تريد أن تكون بحجم "أهوال" وأخطار انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة باستخدام النفط والغاز والفحم الحجري، على البشر والكائنات الحيوانية والمزارع والقوت اليومي لمئات الملايين من الناس في أنحاء كثيرة من العالم.. ومع كل هذه المخاوف، تنبعث بعض الآمال من أفواه السياسيين والعلماء، أبرزها سيناريو تخفيض هذه الانبعاثات إلى النصف بحلول العام 2050، ويوصي علماء البيئة في هذا السياق، بالسعي انطلاقا من العام 2020 إلى خفض ما بين 20% و40% من انبعاثات الدول الصناعية، فهل تلبي هذه الدول هذا المطلب الانساني بكل معاني الكلمة وتداعياتها، أم تستبدّ بها ثقافة الربح و"الرسملة" فتزيد في اتساع رقعة التلوث وتكلفته السياسية والاقتصادية والصحية على الانسانية؟ من المؤكد أن البشرية في مرحلة خطيرة للغاية، ومؤتمر كوبنهاغن قد يجعل من هذا الخطر واقعا ملموسا، وذاك هو الظنّ الغالب في رأي عديد المراقبين..