بين مشروع القانون الأمريكي المعروض على الكونغرس والذي يقضي بمعاقبة محطات تلفزية معادية في الشرق الأوسط وبين إقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يفرض الاستفتاء قبل تنفيذ أي انسحاب من جانب الاحتلال الإسرائيلي من القدسالمحتلة أو الجولان السوري أكثر من نقطة التقاء وذلك لعدة أسباب. وإذا ما تجاوز المشروعين كل العقبات وتم اعتمادهما في الكونغرس وفي الكنيست فإن تداعياتهما مستقبلا لن تكون من دون خطورة بل الأرجح أن النواب الإسرائيليين ونظرائهم الأمريكيين الذين خطّطوا ومهّدوا لهذه القوانين قد اعتمدوا في ذلك حسابات دقيقةلا تخلو من دهاء واسع وهم على الأرجح إنّما يسعون من خلالها لاستباق الأحداث وفرض الأمر الواقع وسحب البساط أمام كل الجهود أو المحاولات للخروج بمسيرة السلام من عنق الزجاجة... طبعا الأمر لا يتعلّق هنا بالدّفاع عن تلك الفضائيات التي اقتحمت البيوت دون سابق إنذار حتى باتت تضر العقول أكثر مما تنفعها بعد أن باتت مصدر إساءة وتشويه للعرب ولقضاياهم وتحوّلت إلى سوق للمزايدات العلنية والفتاوى الغريبة لأنها تخضع لقاعدة أن الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه ولكن ببعض من فضائيات عربية استطاعت في مواكبتها للأحداث أن تحرج الخارجية الأمريكية بسبب أخطائها المتكرّرة في أبوغريب وغوانتنامو وتكشف الوجه الحقيقي للاحتلال وممارساته وخروقاته لكل القوانين والأعراف الدولية. فإذا كان في المشروع الأمريكي تضييق بل ومصادرة للحد الأدنى من حرية الرأي والتعبير إزاء السياسة الخارجية الأمريكية في العالم العربي وهي التي نادرا ما تحلت بالموضوعية أو العدالة وقلما تخلت عن سياسة المعايير المزدوجة في تعاملها مع تلك القضايا لا سيما عندما يتعلق الأمر بمسيرة السلام في الشرق الأوسط فإن في المشروع الثاني وهو المشروع الإسرائيلي الذي نال دعم أغلبية نواب الكنيست وجه آخر من وجوه الخداع والنفاق السياسي والالتفاف على مفهوم الديموقراطية وتحميله ما لا يحتمل من خلال الترويج لدى الرأي العام الدولي بأن القرارات الإسرائيلية المتعلقة بالاحتلال والاستيطان إنما تنبع من خيارات الشعب الإسرائيلي وتمر عبر صوته ووفق مصالحه... ولجوء الاحتلال الإسرائيلي إلى قرار الاستفتاء الشعبي قبل أي انسحاب من الأراضي المحتلة لا يحتمل أكثر من تفسير واحد وهو أنّ الذين خطّطوا ومهدوا لهذا المشروع لا يريدون أكثر من استمرار الاحتلال ومنحه غطاء قانونيا... واعتماد الاحتلال الإسرائيلي الاستفتاء بشأن مستقبل هضبة الجولان وهي أرض سورية واقعة تحت الاحتلال منذ 1967 استمرار في لعبة الخداع واستمرار للمناورة فالجولان ليست منتزها أو محمية يمكن للاحتلال الإسرائيلي أن يغير خصوصياتها التاريخية والجغرافية أو أن يلغي أو يصادر هويتها الأصلية والحضارية والإنسانية تماما كما هو الحال بالنسبة لمستقبل القدسالمحتلة والذي لا يمكن للاحتلال تحديده من خلال استفتاء للرأي العام الإسرائيلي الذي تحكمه عقلية عسكرية يمينية متطرفة تصر على الغاء الآخر والقضاء على كل أسباب وجوده واستمراره...