لم تنعكس أزمة دبي الاقتصادية على العرس الثقافي والفني الذي تحتضنه هذه الإمارة الخلابة. فحفل افتتاح الدورة السادسة لمهرجان دبي السينمائي اصطبغ بترف وبذخ لا يتفقان مطلقا مع مصطلح الأزمة. وأجواء انطلاقة الاحتفالات تميّزت بدفء كبير رغم أن الطقس هنا كان متقلّبا طوال الأيام الماضية. لم يخب ظن ضيوف هذه الدورة الجديدة لمهرجان دبي. فانطلاقتها شكلت حدثًا رصدته تلفزات العالم وغطته كبريات الصحف من جميع الأقطار وعلى شاكلة المهرجانات العالمية الكبرى بسطت السجادة الحمراء التي تحسست خطوات حشد من النجوم والإعلاميين الغربيين والأفارقة والآسيويين والعرب الذين دعموا بحضورهم ألق المهرجان الاستثنائي في كل شيء. فعلى إيقاع التراث الإماراتي الذي أثثته فرقة الفنون الشعبية الإماراتية وبإيقاع سريع ومسترسل انطلق عرس الافتتاح في الفضاء الخارجي لمدينة جميرة السياحية لتكتمل حلقة الفرجة والمتعة داخل قاعة العرض التي شهدت إقبالاً كبيرًا من صناع السينما ومن الممثلين ومن الإعلاميين جاؤوا من كل بقاع الدنيا ضيوفا ومكتشفين... شكل عرض الافتتاح الذي حضرته شخصيات عربية مرموقة في مقدمتها الملكة نور الأردنية وعدد كبير من الوزراء والسفراء العرب والأجانب مفاجأة سارة للحاضرين فالجميع أثنى على حسن التنظيم وبالتالي انعدام الفوضى التي غالبا ما ترافق حفلات افتتاح مهرجانات سينمائية كثيرة ففي هذه الدورة اكتفت اللجنة المنظمة بتقديم لجان التحكيم بعرض صورهم وأسمائهم وميادين اختصاصهم على الشاشة الكبيرة وبالتالي جنبت المسرح فوضى الصعود والنزول المعتادة . بعد ومضة تعريفية قصيرة بالمهرجان اختارت لجنة التنظيم أن تكرّم فنانين عظيمين دفعا سنوات طويلة من حياتهما في السينما ومن أجل عشاق السينما. فكانت الأولى سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي تعذر عليها الحضور وبالتالي تم عرض مشهد تكريمها من قبل رئيس المهرجان في مقر إقامتها بالقاهرة أما الثاني فكان أسطورة «بوليوود» ونجم نجوم السينما الهندية «أميتاب باتشان» الذي لبّى الدعوة وكان متحمّسا جدا للحضور وهو ما عبّر عنه خلال الندوة الصحفية السريعة التي عقدها قبل ساعات من حفل الافتتاح وقال فيها أن هذا التكريم لا يشكل اعترافًا بما قدمه «باتشان» كشخص للسينما، وإنما هو تكريم للسينما الهندية ككل ولكل الذين ساهموا في علو كعبها ووصولها إلى المرتبة التي هي عليها الآن . قبل التطرق إلى الجزء الثاني من سهرة الافتتاح هناك جزئية دقيقة ومهمة جدًا لا بد من التوقف عندها تتعلق بمستوى التقنيات المعتمدة داخل القاعة فبالإضافة إلى بهرج الأضواء والمؤثرات الصوتية عالية الجودة سلبت شاشة العرض عقول الحاضرين حيث كانت الستارة البيضاء تلتقي ثم تختفي خلف عناقيد الأضواء المتدلية بطريقة ساحرة . وعن هذه التقنيات الحديثة والمتطورة جدًا التي استخدمت لشاشة العرض، أفادنا الأستاذ مسعود أمر الله، المدير الفني للمهرجان، أن اللجنة التنظيمية التي انطلقت في الاستعداد لهذا العرس الثقافي والفني في وقت مبكّر جدا وضعت في الحسبان أن تجعل من هذه الدورة دورة التميّز في كل شيء ودورة للبحث عن كل الوسائل التقنية الحديثة في الإبهار البصري ونجحت في ذلك رغبة منها في الارتقاء بهذا المهرجان إلى مصاف التظاهرات السينمائية العالمية الكبرى وتدعيم الشهرة السياحية والثقافية الكبيرة التي تحظى بها إمارة دبي في العالم. «تسعة»... ثماني نساء ورجل الطبق السينمائي الافتتاحي للدورة السادسة لمهرجان دبي كان أكثر من شهي ولفرط حلاوته لم يحاول أي من الحضور على غير عادتهم في بعض المهرجانات التسلل خارج القاعة والاكتفاء بمتابعة الأجزاء الأولى منه ولئن تعذّر على مخرج العمل «روب مارشال» صاحب رائعة «شيكاغو» التي حصدت ست جوائز أوسكار في عام2002 الحضور إلى المهرجان، إلا أنه بعث بشريط مصوّر تحدّث فيه عن سعادته الفائقة باختيار عمله لافتتاح فعاليات مهرجان دبي وهو ذات الإحساس الذي عبّرت عنه مجموعة النجوم التي شاركت في العمل وهم «دانيال دي لويس»، «بنيلوبي كروز»، «ماريون كوتيلارد»، «نيكول كيدمان»، «كيت هيدسون» و«صوفيا لورين». «فتش عن المرأة» هي الفكرة الرئيسية التي يحوم حولها موضوع العمل الذي اختار مخرجه أن يقدّمه على شاكلة توليفة فنية متقنة تجمع بين عطاء نجومه الغزير وبين متعة الاستعراض وشقاوته بطريقة لم تغب فيها روح المخرج العظيم «فيديريكو فليني» وكيف تغيب... والفيلم مبني أساسًا على رائعته «ثمانية ونصف». بطل الفيلم «غيدو كونتيني» مؤلف ومخرج سينمائي يعيش أزمة منتصف العمر التي تعوقه عن مواصلة رحلة إبداع طويلة جعلته جديرا بلقب «مايسترو». فالجميع في روما يعرفه ورواد مدينة «سيني شيتا» مسرح نجاحاته يسألونه كل يوم عن جديده... هذا الجديد التي تعثرت ولادته بسبب عجز «المايسترو» عن الإبداع وطوال الفيلم تتحوّل مآزق إبداعه إلى خيالات استعراضية على درجة ملفتة من البراعة سواء من ناحية الكلمات الجريئة أو الاستعراضات الجماعية والفردية التي وإن كانت تصدم المشاهد بصدقها، فإنها تبهر العين بجمالية الحركة وتنفذ إلى القلب بروعة الغناء والألحان. الفيلم ليس له بداية ووسط ونهاية... لكنه أقرب إلى الحالة، حالة ترصد عمق أزمة الإبداع وتقدّم البدائل والوسائل الكفيلة للخروج منها... وطبعا من غير المرأة قادر على فعل ذلك؟ ولكن في فيلم «تسعة» لم تكن امرأة واحدة كافية لتكون مصدر إلهام البطل لذلك طوّقه المخرج بثماني نساء عاش مع كل واحدة منهن تجربة تختلف عن الأخرى... فبين الزوجة والأم والعشيقات عاش «غيدو كونتيني» لحظات من البهجة والتمزق الداخلي... ولكن نتيجة ذلك التمزّق كانت مثمرة. فبعد أن جف نبع عطائه لسنوات، عاد لينهمر غزيرا بفضل المرأة. لذلك كان لا بد للبطل في النهاية أن يعترف بأفضالهن عليه... وكان لا بد أن يغيّر عنوان فيلمه من «إيطاليا» إلى «تسعة» فقد كنّ ثمانية وهو تاسعهم...