تحتاج العائلة اليوم إلى مؤسسات رعاية الطفولة للعناية والإحاطة بالأطفال منذ الأشهر الأولى وإلى غاية الالتحاق بالمدرسة ولا نبالغ إذا قلنا ان الطفل يقضي أغلب وقته إن لم يكن كامل الوقت في هذه المؤسسات ويحتضنه البيت فقط للنوم. هذا الواقع الذي فرضته جملة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية وأفضى إلى شبه استقالة العائلة من دورها التربوي لحساب مؤسسات رعاية الطفولة يحتم أن تتوفر جملة من الشروط والمقومات لتكون المحاضن أو رياض الأطفال أو الحضانة المدرسية قادرة على تقديم مقومات الإحاطة والتنشئة والرعاية والتربية السليمة للطفل وتطوير أسلوب عملها لتحل محل العائلة -وإن كان الوضع الصحيح هو العمل بالتعاون مع العائلة لكن ضغط الحياة اليومية وانشغال الوالدين طوال اليوم قد لا يسمح بذلك في الكثير من الأحيان - تطوير مؤسسات رعاية الطفولة انطلق منذ فترة من خلال تكثيف أعدادها وعبر إيجاد الأطر القانونية لسيرها وإصدار كراسات شروط في الغرض تحدد مقومات وشروط عمل هذه المؤسسات لكن هل ساهم ذلك في ضمان مستوى خدمات ينسجم مع دور ومسؤولية هذه المؤسسات في التنشئة ورعاية شريحة حساسة مثل شريحة الأطفال ؟وماذا عن الاخلالات والنقائص المسجلة وكيف تتصدى إدارة الاشراف إلى هذه التجاوزات سيما فيما يتعلق بالانتصاب الفوضوي لمؤسسات رعاية الطفولة؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول التطرق إليها من خلال قطاع رياض الأطفال الذي يضم وفق آخر الاحصائيات حوالي 2700 رياض أطفال تتوزع بين 20 مؤسسة تحت إشراف وزارات و80 مؤسسة تشرف عليها البلديات في حين تشرف الجمعيات والمنظمات على حوالي 306 رياض أطفال ويشرف القطاع الخاص على النصيب الأوفر من هذه المؤسسات بما يناهز 2290 رياض أطفال. ويبلغ عدد الأطفال الذين تحتضنهم مختلف رياض الأطفال 115832 طفلا تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات.
رياض الأطفال في عيون الأولياء خلال الحديث مع بعض الأولياء عن مستوى الرعاية التى تقدمها رياض الأطفال لأبنائهم يشير أغلبهم إلى أنه مثلما توجد رياض أطفال ممتازة وتوفر إحاطة ورعاية جيدة للأطفال توجد في المقابل مؤسسات أخرى لا ترقى إلى المستوى المطلوب ولا تتوفر فيها الشروط الضرورية لاحتضان الأطفال. ويقول بعض الأولياء أنهم يضطرون أحيانا إلى إيداع أطفالهم في رياض أطفال رغم علمهم أنها لا تقدم خدمات جيدة وذلك بسبب عدة عوامل من بينها وجود تلك الرياض بالقرب من المنزل أو من مقر عمل أحد الوالدين مما يسهل عملية إيداع وجلب الطفل وهو عامل يجعلهم يغضون الطرف أحياناعن مستوى الخدمات والرعاية المتوفرة! لكن ماذا عن مصلحة الطفل؟ نقائص القطاع يؤكد المختصون في علوم التربية أن أكثر من 30 بالمائة من المؤهلات ومن ملامح شخصية الطفل المستقبلية يكتسبها خلال سنواته الأولى وأن التعامل ومباشرة الأطفال يتطلبان دراية صحية و نفسية وإجتماعية وتربوية،في المقابل نجد أن رياض الأطفال لا تحترم أحيانا هذا المعطى الأساسي ونجد أن حوالي 85 بالمائة من الإطار العامل في هذه المؤسسات من غير المختصين مما يجعل مسألة الإحاطة بالأطفال في هذه الحالات تطرح أكثر من تساؤل حول قدرة هؤلاء على توفير مستوى رعاية وتربية يتناسب مع حاجيات الطفل... تسجل النقائص والاخلالات كذلك على مستوى الفضاء المخصص لاحتضان الأطفال ونوعية الأجهزة المتوفرة فقد يكون هذا الفضاء ضيقا لا يستجيب للشروط التي تتلاءم مع حاجيات الطفل للحركة واللعب كما تكون التجهيزات المستعملة أحيانا لا توفر الضمان الكافي لسلامة الأطفال هذا إلى جانب الإخلال أحيانا بجوانب النظافة وتوفير المقومات الضرورية للحفاظ على صحة الأطفال. مستوى برامج الترفيه يسجل النقص كذلك على مستوى برامج الترفيه والأنشطة التي يغيب فيها عنصر التنوع والابتكار والتجديد، رغم أن هذه البرامج تعتبر العنصر الأساسي لعمل رياض الأطفال من منطلق مساهمتها في الترفيه على الطفل وتجنيبه الملل والروتين من جهة وتوظيف الترفيه واللعب في الجوانب التربوية من جهة أخرى عملا بقاعدة علم الأطفال وهم يلعبون. لكن هل تسعى رياض الأطفال إلى تطوير أدوات عملها ومواكبة التطورات والمستجدات في مجال تربية الأطفال لأن حاجيات الطفل أمس ليست هي حاجياته اليوم؟ وماذا عن عملية مراقبة هذه المؤسسات ونتائجها؟ وكيف يتم التصدى إلى نقص الإطار المختص في رياض الأطفال وكيف يتم تكوين وتأطير الباعثين الجدد خاصة إذا علمنا أن الكثير من الشبان ومن حاملي الشهادات العليا يقدمون بكثرة على الاستثمار في القطاع؟... هذه المحاور وغيرها كانت محور لقائنا بالسيدة فوزية المازني رئيس مصلحة رياض الأطفال والسيد الهادي الرياحي متفقد بوزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين.
الاطار المتغير باستمرار من الاشكاليات الرئيسية في قطاع رياض الأطفال
تونس- الصباح تحدث بدوره السيد الهادي الرياحي متفقد بوزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين عن أهمية هذه المؤسسات اليوم من حيث هي ضرورة إجتماعية فرضها واقع خروج الوالدين للعمل وضرورة تربوية سيما وأن علماء النفس يؤكدون أن حوالي 60 بالمائة من ملكات الطفل تتكون قبل سن 6 سنوات ويجب الإهتمام بالطفل في هذه المرحلة لتنمية ملكاته الفكرية والنفسية... ويضيف محدثنا عندما سألناه عن تقييمه الموضوعي لمستوى الخدمات المقدمة في رياض الأطفال وهل تسمح بتحقيق هذه الأهداف المشار إليها؟ قال محدثنا أن الحد الأدنى متوفر وإن بنسب متفاوتة وأشار في المقابل أن عدم الالتزام بتطبيق ما ورد في كراس الشروط يعد تجاوزا من ذلك عدم تأمين سلامة الطفل أو عدم التعاقد مع طبيب أو عدم توفر الإطار المختص... وحول هذه النقطة الأخيرة المتعلقة بغياب الإطار المختص في أغلب رياض الأطفال أشار السيد الهادي الرياحي إلى أن الإطار المتغير باستمرار في هذه المؤسسات من الإشكاليات الرئيسية في القطاع ذلك أنه كلما تم تكوين إطار بعد انتدابه من قبل رياض أطفال إلا ووقع تغييره مما يدفع إلى إعادة عملية التكوين وهكذا دواليك... دورات تكوينية ويضيف محدثنا أن المتفقد في الجهات يبرمج سلسلة من الدورات التكوينية لفائدة الإطارات غير المختصة ويتم الإعتماد على نتائج المسح الميداني الخاص برياض الأطفال في تحديد حاجيات وأولويات التكوين انطلاقا من النقائص المسجلة. الباعثون الجدد يمرون بدورهم بدورات تأهيل على المستوى النظري مدتها 40 ساعة إضافة إلى شهر تكوين تطبيقي داخل رياض أطفال وذلك خلال عطلة الشتاء والربيع. ويبين السيد الهادي الرياحي في هذا السياق أنه يتم التركيز على جملة من المقومات للموافقة على تمكين الباعث الشاب من إحداث رياض أطفال تأخذ بعين الإعتبار مصلحة الطفل وتتمثل هذه المقومات في قدرة هذا الباعث على محبة الطفل وإيمانه بمشروعه وقدرته على العطاء وقدرته على التواصل واللعب مع الطفل والابتكار وإثراء الأنشطة داخل رياض الأطفال... وعن عمل التفقد أشار محدثنا إلى أن عمل الإرشاد والتفقد يركز بالأساس على مرافقة الباعث ومساعدته على انجاح مشروعه ثم المتابعة وبعد ذلك التفقد ونركز في عملنا على التأكيد على جوانب التعامل مع الطفل وتسيير المؤسسة وبناء العلاقة مع الأسرة والمحيط وتوظيف هذا المحيط في تحقيق التربية المتوازنة للطفل.
خلال المسح الميداني للسنة الفارطة:
2190 زيارة تفقد وتسجيل نقائص في 300 روضة أطفال
نحو إحداث جائزة وطنية لأفضل روضة
تونس-الصباح أشارت السيدة فوزية المازني رئيس مصلحة رياض الأطفال بوزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين إلى أن ذهاب الطفل إلى رياض الأطفال ضرورة حتى في حال وجود المرأة في المنزل لأن تواجد الطفل في هذه المؤسسات يعده للاندماج الجيد في الحياة المدرسية والاجتماعية بصفة عامة. وتضيف السيدة المازني أن وزارة الإشراف تسعى إلى جعل مؤسسات رياض الأطفال تحقق دورها الإجتماعي والتربوي من خلال حمل هذه المؤسسات على إحترام كافة الشروط الواردة في كراس الشروط المنظمة للقطاع والصادرة منذ سنة 2003 . سألنا السيدة فوزية في هذا الإطار هل تستجيب جميع رياض الأطفال المنتصبة حاليا إلى هذه الشروط؟ فأجابت بأنه تسجل من حين لآخر بعض التجاوزات والنقائص ونجد ذلك خاصة في رياض الأطفال العشوائية التي تنتصب دون القيام بالاجراءات القانونية ودون المصادقة على كراس الشروط كما نجد أحيانا الجمع بين أنشطة مختلفة داخل فضاء واحد على غرار توظيف الفضاء كمحضنة ورياض أطفال وحضانة مدرسية وهو مخالف للقانون وتبين محدثتنا أن ذلك قد يكون أحيانا عن جهل وعدم معرفة بإجراءات الإنتصاب. وقد يحدث الأمر ذاته بالنسبة للإخلالات المسجلة في رياض الأطفال الأخرى التى غالبا ما تكون تجاوزات مرتبطة بعدم معرفة الشروط الضرورية لممارسة النشاط. وتشير رئيس مصلحة رياض الأطفال إلى أن إدارة الإشراف تقوم بمسح شامل لرياض الأطفال المنتصبة مرتين في السنة ويتم إثر هذه الزيارات تحديد المؤسسات التى سجلت بها نقائص حيث يتم التركيز عليها خلال زيارات الإرشاد والتفقد طبعا إلى جانب زيارة بقية رياض الأطفال. مسح ميداني لرياض الأطفال ويذكر في هذا السياق أن المسح الميداني للسنة الفارطة تضمن حوالي 2190 زيارة وتراوحت النتائج بين 1860 رياض أطفال تستجيب للشروط القانونية و300 رياض أطفال سجلت بها نقائص كما تم إمهال 280 رياض أطفال فترة زمنية لتفادي الإخلالات المسجلة. وعن كيفية التعامل مع المؤسسات المخالفة أشارت السيدة فوزية المازني أن الإدارة لا تسعى إلى غلق رياض الأطفال إلا في الضرورة القصوى."ما عدا ذلك نسعى إلى مرافقة صاحب المشروع ودفعه إلى تجاوز الإخلالات في أقرب الآجال طبعا مع الأخذ بعين الإعتبار مصلحة الطفل في المرتبة الأولى وغالبا ما لا يتجاوز هذا الإمهال الشهرين ...وحتى في حالات الانتصاب الفوضوي نسعى إلى تأطير هذه المؤسسات سيما إذا ما سجلنا جدية في العمل لدى صاحبة هذه المؤسسة ووجدنا ظروفا جيدة وفضاء ملائما..." وتضيف رئيس مصلحة رياض الأطفال بوزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين أن بيداغوجيا الأطفال والتعامل مع هذه الشريحة ليست بالأمر الهين ويجب على مديرة الروضة والإطار العامل والمباشر للأطفال السعي باستمرار إلى الإطلاع على الجديد في هذا المجال ومحاولة التثقيف الذاتي وتطوير أساليب عملهم. وأشارت محدثتنا إلى أن التنافس في هذا المجال سيؤدي حتما إلى تحسين الخدمات وقد فكرت الإدارة في هذا الإطار في إحداث جائزة وطنية لأحسن روضة أطفال سيتم تنظيمها إنطلاقا من السنة الجارية.