تستعد منظمة الدفاع عن المستهلك خلال المدة القريبة القادمة لعقد مؤتمرها وكرّد على الضغوطات الانفاقية التي فرضتها الظروف على المستهلك هذه المدة أو كتسجيل حضور على طريقتها المعتادة بادرتنا منظمة الدفاع عن المستهلك «بهجوم» قوي عليه بسيل من البيانات المؤلفة على مقام «تتوجه المنظمة.. وتنصح المنظمة.. وتدعو المنظمة..»، او «التصدّي للاحتكار للتحكم في الاسعار» و«الدفاع الذاتي» وكأن للمواطن القوة التنقيذية التي تمنحه القدرة على التصدّي للاحتكار والمضاربات. جاءت هذه البيانات في ظرف تميّز بتزامن لمواعيد انفاقية اجبارية على المواطن (عطلة صيفية.. أعراس وأفراح.. عودة مدرسية وجامعية ورمضان..) مع ارتفاع في أسعار بعض المواد الاساسية ونقص في التزويد بمواد أخرى مع ارتفاع لاسعار العديد من المواد الأولية في السوق العالمية بما يعنيه ذلك من انعكاسات على الاسعار المحليّة إضافة للثقل المتزايد لفواتير الكهرباء والغاز والماء.. وكم كنت أتمنى والحال على ما هي عليه ان تعمّق منظمتنا أنشطتها وهي التي تحتكم على عدد هام من المتطوّعين اضافة لعدد محترم من الموظفين الذين تسدد أجور البعض منهم الدولة والتي تحتكم كذلك على اسطول سيارات ووصولات بنزين ومقرّات ومنح.. فتبادر مثلا بفتح تحقيق عن دواعي اختفاء شرائح لحم الديك الرومي (اسكالوب) من الاسواق وعدد الديك الرومي لم يتغيّر والمستهلك لم ينم ويستفق ليصبح مدمن اسكالوب.. كنت اتمنى ان تكشف لنا السرّ وراء تواجد كل قطع الديك الرومي في المحلات باستثناء صدره الذي تبخّر ليتوفّر في السوق السوداء.. كنت أتمنى أن «تبرّد» منظمتنا على قلب مستهلكها وتحلّ له «الداقزة» التي عجزت هياكل الدولة عن حلّها. كنت أتمنى ان توجه منظمتنا العتيدة لشركة الكهرباء والغاز ومن ورائها سلطة الاشراف دعوة لتأجيل الترفيع في سعر الكيلو واط من الكهرباء الذي وظفّ على الفواتير دون سابق إعلام الى حين يتجاوز التونسي محنته الاستهلاكية هذه ويتنفسّ الصعداء قليلا.. وكم كنت أتمنى ان تبادر هياكل المنظمة بالبحث عن حلول للحدّ من ظاهرة ارتفاع كلفة الفواتير والتشجيع على تطوير اقتناء بطاقات استهلاك مسبقة الدفع بأسعار مخفضة لأن الشركة ستقبض مسبقا ما ستستهلكه لاحقا. كنت أتمنى ان تجد المنظمة حلاّ لفاتورة الماء التي يضاهي فيها معلوم استهلاك الماء معلوم التطهير ولدينا الدليل وكأنّ كلّ ما يشربه الفرد منا لا يذهب الاّ في قنوات التطهير فلا نسقي الشجر ولا نرشّ الماء أمام منازلنا ولا يتبخّر منه شيئا.. معلوم يجعل فم المستهلك فاغرا و«ريقه شايح» على هذه الذي لا يمكن ان تكون الاّ «مظلمة» مسلطّة في حقه. كنت أتمنى لو عادت المنظمة للدراسات المقارنة التي بدأت في انجازها عند انبعاثها وحمّلت كل طرف مسؤوليته وأنارت سبيل المستهلك.. كنت أتمنى لو بادرت المنظمة بوضع علامة «لابال» جودة خاص بها بعد ان تكون قد ضبطت مواصفات لكل أصناف المنتوجات بالتعاون مع الجهات المعنية فتمنحه لكل منتج يحترم تلك المواصفات وتسحبه منه عندما يخلّ بالتزاماته وتحصل على مقابل لذلك ال «لابال» يدعم ميزانياتها فتكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر واحد خدمت المستهلك بأن منحته أجود ما يمكن توفيره ودعمّت ميزانيتها بما يساعدها على تطوير نشاطها. كنت أتمنى أن تنسج منظمتنا على غرار المنظمات الاخرى كمنظمة الاعراف والشغالين في الدفاع عن منظوريها وحماية حقوقهم والتفاوض باسمهم لكنها اكتفت بنهج التوعية والتحسيس و«الهجوم» على المستهلك بالبيانات ولم تول مشاغله الاهتمام الذي يستحقه باستثناء بعض ردود الأفعال المنعزلة عن بعض الحوادث العابرة او بعض التدخلات لحلّ مشاكل للمستهلكين مع الصنايعية.. ورغم أني لا أشكك في اهمية التوعية والتحسيس، ففي اعتقادي ان الاكتفاء بهما لا يتلاءم وحجم منظمة عتيدة مثل منظمة الدفاع عن المستهلك أما إذا قررت الاكتفاء بذلك فإن جهاز كمبيوتر وفاكس وموظف ومسؤول كاف لإنجاز تلك المهمّة... كنت أتمنى على الاقلّ مع قرب موعد المؤتمر وفي أجواء الانتخابات أن تبادر المنظمة خصوصا والظرف مناسب جدّا بوضع يدها في «العجينة» وتحريك على الأقل القليل من السواكن لكن شيئا من ذلك لم يحدث ربما لأن لا شيء بعد المؤتمر سيتغيّر.