شهدت الفترة السابقة استعدادات مكثفة على مختلف الأصعدة لشهر رمضان المبارك سواء فيما يتعلق بالأنشطة الدينية والثقافية أو ما يخص توفير المواد الغذائية بالكميات اللازمة وتكثيف المراقبة الاقتصادية والصحية. ومن المفارقات أنه في ظل تنامي ظاهرة الاستهلاك المفرط التي صبغت الشهر المبارك في تونس منذ عقود برزت ظواهر موازية تتمثل في استغلال البعض هذا الشهر للربح غير المشروع يحركهم الجشع والرغبة في الكسب المادي ضاربين عرض الحائط بقوانين السوق وغير آبهين بما يتطلبه هذا الشهر من استقامة وتقوى إلى غير ذلك من الفضائل التي يتعين أن تبرز من خلال الممارسات والسلوكيات. وبعيدا عن التفسير الأخلاقي لظاهرة التجاوزات والمخالفات الاقتصادية لا بد من القول أن السلوك الاستهلاكي في تونس يفتقر عند فئة كبيرة إلى العقلانية والمنطق وإلى الإحساس الحقيقي بالمسؤولية أولا على صعيد الإمكانيات المالية الذاتية وثانيا تجاه التجار المخالفين حيث أصبح القاسم المشترك على الصعيدين يتمثل في عدم المبالاة وترك الحبل على الغارب. فتلك الفئة من المستهلكين تبذل "جهودا " كبيرة في توفير المال اذ إضافة إلى الأجر هناك الاقتراض على اختلاف مصادره وهذا الجهد سرعان ما يتبخر بمجرد دخول الحلقة المفرغة بفعل الإقبال والتهافت على الشراء مهما كانت الأسعار دون أدنى اعتبار للمقدرة الشرائية التي لا بد من القول أن هناك من المستهلكين من يلحق بها الضرر عن وعي أو غير وعي. ويجر هذا الأمر إلى الحديث عن الممارسات غير القانونية لبعض التجار الذين يستغلون رمضان للترفيع في الأسعار وكأنهم خبروا نفسية المستهلك الذي كثيرا لا ينجح في الصمود أمام شهواته ولا بد في هذه الحالة من الردع والعقاب لان عودة الظاهرة كل عام لا تبرهن عن عقوبات كانت عبرة للآخرين فهؤلاء التجار المخالفون يساهمون أيضا في تدهور القدرة الشرائية خصوصا في المناسبات الدينية ويبرز هنا الدور شبه المفقود لمنظمة الدفاع عن المستهلك التي تكتفي بالتحسيس والدعوة إلى ما يسمى ب"الدفاع الذاتي" دون أن تضفي على دورها الصبغة العملية المرجوة التي تميز نظيراتها في المجتمعات الاستهلاكية الغربية. وإذا كانت فرق المراقبة الاقتصادية والصحية تتجند كامل أيام العام وفي المناسبات الدينية فإن ما يعلن عن مخالفات وعقوبات لا يبدو رادعا وهو ما يشعر به المستهلك كلما وقعت عيناه على بعض أسعار المواد الاستهلاكية من خضر وغلال ولحوم والمطلوب دوما عدم ترك المعاقبين يعودون إلى ممارساتهم وإثناء غيرهم عن انتهاج طريق الغش والخداع.. إذن لا بد من الصرامة ومن المزيد منها.