لم تكتف قوات الاحتلال الاسرائيلي بقصف المناطق الآهلة بالسكان في قطاع غزّة وتكثيف المداهمات والاغتيالات في حق عناصر المقاومة الفلسطينية وإحكام قبضتها الحديدية على منافذ العبور وشلّ النشاط التجاري الفلسطيني بل تجاوزت ذلك بأشواط حيث عمدت إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات الشخصيات السياسية البارزة في الضفة الغربية من بينها عضو في الحكومة الفلسطينية وأعضاء في المجلس التشريعي ورؤساء بلديات، مدّعية أن هؤلاء المسؤولين يؤيدون عمليات إطلاق الصواريخ من غزّة على أهداف إسرائيلية! ويبدو أن وزير الحرب الاسرائيلي الملطخة يداه بدم الأبرياء الفلسطينيين أصبح «يفضّل» الاعتقالات بدل سفك الدماء في تبريره لهذه الحملة قائلا أن «مثل هذه الاعتقالات ترسل رسالة للفصائل الفلسطينية بأننا نطالب بوقف إطلاق الصواريخ»! وبالتوازي مع هذه السلسلة الجديدة من الاعتقالات توفق رئيس السلطة الفلسطينية بعد أيام من الترقب والانتظار بسبب التقاتل بين عناصر فلسطينية إلى اجتماع مع رئيس الحكومة في غزّة وممثلين عن بقية الفصائل الفلسطينية للبحث مجددا في مسألة المواجهات الداخلية.. وكذلك التهدئة مع إسرائيل. وبينما اتفق محمود عبّاس مع إسماعيل هنية على تفعيل اتفاق يقضي بتشكيل قوّة مشتركة لتنفيذ الخطة الأمنية الرامية إلى ضبط الانفلات الأمني وتثبيت وقف إطلاق النار بين منتسبين لحركتي «حماس» و«فتح» أخفق في اقناع الفصائل بالعودة إلى التهدئة مع إسرائيل. ولكن من يتحمّل مسؤولية التهدئة من عدمها.. هل هو الجانب الفلسطيني أم إسرائيل؟ لقد اقترحت الحكومة الفلسطينية منذ أيام على حكومة أولمرت تهدئة شاملة ومتبادلة في الضفة والقطاع لكن إسرائيل ردّت على هذه الدعوة بشن غارات جوية على الأحياء السكنية في غزّة وكثفت من موجة العنف ضدّ المدنيين الأبرياء وبلغ بها الأمر إلى اعتقال رموز من السلطة والمجلس التشريعي وتدمير مراكز مالية فلسطينية بدعوى أنها تموّل حركة «حماس». وأمام هذا الوضع المتفجّر ما الجدوى من إعلان الهدنة؟ لقد اتضح أن المجتمع الدولي وخصوصا القوى الكبرى قد أدرجت ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من تنكيل وقتل وتهجير في خانة «الأحداث المتفرّقة» وتركت لقوات الاحتلال اختيار «الطريقة المثلى» للتعامل مع الفلسطينيين وهذا ما تفضله إسرائيل.. وما هي بصدد ترجمته على الأرض. وتجاه ذلك ليس للشعب الفلسطيني من خيار سوى تجاوز الخلافات الداخلية ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة بكل السبل المتاحة بدل المواجهة الداخلية.