فوضى واكتظاظ واستهتار بقواعد المرور خصوصا أثناء أوقات الذروة تونس-الصباح سجلت طرقاتنا خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان الحالي العشرات من حوادث المرور بعضها كان قاتلا وبعضها الآخر تسبب في إصابة مستعملي السيارات المتضررة بجروح فضلا عن الأضرار المادية الجسيمة التي تلحق بالعربات المتسببة في حوادث المرور. ولسائل أن يسأل، هل أن لشهر رمضان ضلع في وقوع هذه الحوادث بشكل يومي ؟ وهل يؤثر الصيام على سلوك سائقي السيارات أثناء القيادة وعلى جاهزيتهم الذهنية والنفسية، أم أن أسباب أخرى اعتيادية تحتل الصدارة في وقوع حوادث المرور على مدار السنة على غرار السرعة وقلة الانتباه وعدم احترام اشارات المرور، أم أنها مزيج بين هذا وذاك بين الأسباب التي ألفناها إضافة إلى تأثير الصيام الذي قد يمثل حافزا لدى البعض على قلة التركيز والانتباه أو السرعة وعدم احترام قواعد المرور. خصوصا أثناء أوقات الذروة؟ من الملاحظ أن سلوك سائقي السيارات في تونس يغلب عليه التشنج والتوتر كما أثبتته عدة دراسات في هذا الشأن، وإن كانت السرعة وقلة الانتباه سبب أساسي لحوادث المرور في تونس مثل ما جاء في إحصائيات حوادث المرور لسنة 2006، فإن نفس هذه الأسباب تظل دون منازع من أبرز أسباب وقوع حوادث المرور خلال شهر رمضان، لكن المتأمل في الأمر سيجد ان علاقة الصيام والظروف الحياتية اليومية لسائقي السيارات خلال هذا الشهر عادة ما تكون حافزا قويا على الزيادة في السرعة، التشتت الذهني، المجاوزة الممنوعة، عدم احترام اشارات المرور ونظام الأولوية..الخ. معضلة اوقات الذروة جزء من حوادث المرور التي حصلت خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، جدت خلال الظهيرة وبالتحديد أثناء فترة أوقات الذروة التي تعرف بطبعها ازدحاما شديدا في طرقاتنا بسبب الخروج الجماعي للموظفين من مقرات عملهم، فالأمر يصبح في تلك اللحظة كرسم كاريكاتوري أشبه بحدوث أمر طارئ خطير أو وقوع كارثة كبيرة حتمت على سكان المدينة الهرب فزعا من خطر معين بأسرع وقت ممكن فتتكدس بالتالي جميع السيارات في خندق واحد ولا يتحقق هدف النجاة او الوصول بسرعة لأي متعجّل من أمره، لكن في واقع الحال فإن هدف الجميع هو الوصول باكرا إلى المنازل والتحضير لموعد الإفطار، لكن ذلك لا يكون إلاّ بالتروي والتصرف بعقلانية. فوضى واكتظاظ واستهتار بقواعد المرور فاحترام الآخر في الطريق، وفسح المجال لصاحب الأولوية، والتحلي بالصبر، كلها قيم تذهب سدى بمجرد أن يأخذ معظم السواق مقاعدهم أمام المقود. رغم ان تلك القيم والمبادئ الأخلاقية من شيم الصائم، لكن هيهات فالفوضى والاكتظاظ في الطرقات خصوصا أثناء فترة الذروة، هي في أغلب الأحيان من أبلغ الأوصاف التي يمكن نعتها لما يجري في طرقاتنا من تهور وتسابق ولهاث، والكل يريد الوصول قبل غيره ولا يهم في ذلك "حرق" إشارات المرور، أو المجاوزة الممنوعة، أو الزيادة في السرعة إن وجد مجال لذلك.. ومن بين سلوكيات السياقة المتهورة التي ترصد يوميا على طرقاتنا التفوّه بكلام بذيء تجاه السواق الآخرين والقيام بحركات غير لائقة من شأنها أن تشنج أعصاب باقي السواق ومستعملي الطريق، تجاوز العدد المسموح به في السيارة. السياقة سلوك حضاري احد الاختصاصيين في علم النفس التربوي يشبه من يقود سيارة بتهور براكب سلاح وعنده حساب يصفيه مع الطريق ومع أهل الطريق، فطريقة القيادة في أي مجتمع ما هي إلا مرآة لأهله، والسياقة هي سلوك حضاري وثقافة مرورية واجتماعية ووعي جماعي. لكن هل تكفي حملات التحسيس والتوعية لوحدها بمخاطر الطريق والتاكيد على السلوك الرشيد والسوي أثناء قيادة السيارة.؟ من غير شك لا يجدي أي عمل تحسيسي دون أن يكون متكاملا مع منظومات أخرى على غرار الصرامة في تطبيق قوانين الطرقات، تحسين البنية الأساسية، تعزيز وسائل مراقبة المخالفين لقواعد المرور وخصوصا في ما يتعلق بتجاوز السرعة القانونية. الصرامة في تطبيق قانون الطرقات في هذه النقطة بالذات أثبتت نتائج استبيان كان أجراه المرصد الوطني للشباب حول سلوك الشباب في الطرقات، أن نسبة هامة من المستجوبين عبروا عن اقتناعهم بأن الجانب الردعي والصرامة في تطبيق قوانين الطرقات من أبرز الحلول للتقليص من حوادث الطرقات، كما أثبتت تجارب أوروبية في ذات المجال ان أحسن وسيلة للتوعية حول خطورة حوادث المرور هي الإبقاء على هياكل السيارات المحطمة التي تعرضت لحادث مرور في نفس مكان الحادث ليبقى شاهدا حيا لفظاعة حوادث المرور وتكون عبرة لسائقي السيارات الآخرين..فضلا عن مزيد الاهتمام بنشر الثقافة المرورية لدى الناشئة وتعميم تدريس مادة التربية المرورية على جميع المدارس والمعاهد. جدير بالذكر أن مجموع حوادث الطرقات في تونس بلغ السنة الماضية قرابة 11 ألف حادث، نتج عنها 1516 قتيلا، و15147 جريحا. وبلغ المعدل اليومي لحوادث المرور ما يناهز 30,08 حادثا في حين بلغ المعدل اليومي للقتلى 4,15 قتلى والمعدل اليومي للجرحى لنفس السنة 42,50 جريحا. وتمثل السرعة العنصر الأساسي من حيث خطورة الحوادث وقد ساهمت بنسبة: 25.79% من المجموع العام للقتلى و 20,10% من المجموع العام للجرحى ويحتل فصل الصيف الصدارة من حيث عدد الحوادث المسجلة بنسبة17,91% من مجموع الحوادث المسجلة. كما تم تسجيل39,45% من مجموع الحوادث بإقليم تونس الكبرى.