قبل ليلة واحدة من القبض على الأميرة كانت الأجواء في المدينة حية، مفعمة بالحركة والتفاؤل المفرط فيه استعدادا لاحتفال لم يتم لإقامة «زفة» للأميرة التي رفضت العودة إلى صفاقس لتعانق شرفات السور الشامخ الذي «حزن» حزنا شديدا لفراقها في الوقت الذي كان فيه الجميع يستعدون لإحياء ليلة مشهودة... رفضت المجيء لأن أبناء هذه المدينة لم يحتفوا بها في درة المتوسط برادس كما ينبغي أن يكون الاحتفال ولم يقدموا لها مهرا يليق بمقامها الرفيع ومن حقها أن ترفض هؤلاء وتختار من مال إليهم قلبها.. وفعلا اختارت رجالا صمدوا وضحوا من أجل أن يكسبوا ودها ويفوزوا بقلبها الكبير فاختارت «عسل» مخارق باجة لتصطاف هذا العام في مدينة السكر للتمتع بحلاوة هذه البقاع وجمالها وتركت أبناء عاصمة الزيتون يهيمون على وجوههم في ليلة لم تخطر على البال لأنهم خذلوها واستهتروا بأحلامها الوردية... ليلة الأحد الماضي في صفاقس كانت ليلة هادئة بل حزينة إذ صمتت منبهات السيارات وأقفلت المقاهي معلنة الحداد عن غياب الأميرة بل عن هجرانها وهروبها إلى حيث لقيت الود والعشق والحب والرعاية... مدينة متعودة على النوم باكرا ولكنها هذه المرة «بكرت» فنامت قبل الأوان إذ خيم على أرجائها صمت عميق فيه الكثير من الوحشة والكآبة التي أطبقت على أنهج وشوارع وضواحيها القريبة والبعيدة ولم تخف الأغلبية في هذه الربوع ما لقيته الأميرة من شح في العطاء من قبل أبناء هذه الربوع يوم اللقاء، فكان الجفاء وكان البعاد، وكانت الخيبة بادية على الوجوه... هذا اليوم الحزين لن ينساه أبناء هذه المدينة أبدا، لقد أطاحوا بالكبار ووقفوا عاجزين أمام شجعان باجة، فكانت الخيبة التي خلفت حسرة في النفوس لأن الجميع حلموا أكثر من اللزوم لسوء تقدير من قبل الأغلبية وهو أمر ما كان ينبغي أن يحصل... الأميرة دخلت التاريخ من أبواب مدينة باجة التي فتحتها لها على مصرعيها ولا يمكن للتاريخ أن يعود إلى الوراء، لذا يجب التفكير في المستقبل عسى الأميرة ترضى ويعاودها الحنين فتعود يوما إلى باب الجبلي بعد أن تكون قد طويت قصة الأمس.