كشف المسح الوطني حول الانفاق الأسري في تونس الذي أعلن عنه هذا الصيف تطورا هاما في باب الانفاق على الاتصالات بما جعل هذا الباب يحتل الصدارة في نسبة التطور السنوي ب34.9% يليه الانفاق في النقل ب11.1% ضمن نفس النسبة.. وبذلك أصبح الانفاق في الاتصالات يمثل 3.7% من مجموع هيكلة الانفاق الاسري التي تعتمد على عشرة ابواب هي التغذية السكن، اللباس، النظافة والعلاج، النقل، الاتصالات، التعليم، الثقافة والترفيه ونفقات أخرى تتعلق بشراء المصوغ والوثائق الادارية والصدقات وزكاة الفطر. الانفاق في الاتصالات قفز من 1.1% إلى 3.7% خلال خمس سنوات (اي من سنة 2000 إلى 2005) وهو مؤهل للقفز اكثر بحلول المسح القادم سنة 2010 الذي سيكون متزامنا مع تطورات تكنولوجية هامة في هذا المجال بدخول تقنية ال«جي بي آرس» أو الجيل الثالث من الهواتف النقالة التي ستفتح افاقا هامة من التواصل والظفر بالمعلومة بأيسر السبل وأينما يكون الفرد. والتونسيون من ضمن الشعوب المقبلة بنهم على الانفاق في مجال الاتصالات إذ قل وندر أن تجد احدهم لا يملك هاتفا نقالا بحيث ارتفع عدد الخطوط لأكثر من سبعة ملايين خط ل9.5 ملايين ساكن وأصبحت تجارة الهواتف النقالة من أنجح التجارات بحيث إذا ما اعترضك تجمهر على واجهة بلورية لمحل فثق انها واجهة محل هواتف نقالة. وقد انعكس هذا التطور في الانفاق على ابواب اخرى هامة كالتغذية التي تراجع الانفاق فيها من 38 إلى 34.8% خلال خمس سنوات ومن 11.1 إلى 8.8% في اللباس وهو ما يمنح فكرة واضحة عن اهمية الاتصالات في حياة التونسي رغم تطور الانفاق في مجال النقل على خلفية ارتفاع اسعار المحروقات.. ومن المؤكد أن المشغلين على اطلاع واسع بهذه التطورات وعلى معرفة دقيقة بفترات ذروة المكالمات والسلوكات الاستهلاكية لحرفائهم وتوجهاتهم لذلك تجد عروضهم تشجع على مزيد التواصل وبالتالي الاستهلاك بأقل التكاليف.. وهم حتما في حساباتهم التجارية موفقون بشكل واضح لأن الإقبال على تلك العروض يكون دوما في مستوى الامال المعلقة عليها. ورغم الفترات الحرجة التي يمر بها المستهلك كتزامن العودة المدرسية مع حلول شهر رمضان فإنه لا يحجم على استعمال الهاتف الجوال كلفه ذلك ما كلفه فالهاتف النقال عند التونسي ارتقى من منزلة الرفاهة إلى منزلة الضرورة التي لا غنى عنها وهو ما يفسره البعض بتغلغل النزعة الفردية لدى الانسان لا في تونس فحسب بل في العالم قاطبة بحيث أصبح الهاتف الجوال قناة تواصل خاصة بالفرد مع العالم الخارجي.. هذه الخصوصية اصبحت من مقومات هوية الفرد فهو عند الآخرين رقم وكلما آراد أن يقطع تواصله معهم يغيّر رقمه وهذا الرقم لا يمنح الا لمن هو راض على التواصل معه.. ولا شك أن السنوات القادمة ستعمق هذه الخصوصية بعد أن يتحول الهاتف إلى مكتب متنقل والى خادم أمين يقتني لصاحبه حاجياته من المغازة ويقتطع له تذاكر الملعب والمسرح دون الحاجة إلى التنقل وسيمكّن الهاتف حتى من خلاص معلوم الوقوف بالمربض ومن تحديد هوية صاحبه كلما دخل محلا بحيث يمكن الرجوع الالي للأرشيف من معرفة ميولاته الاستهلاكية وعرض ما يلائم ذوقه. ولعل اخطر ما سيشهده التطور هو ما يشتغل من اجله الباحثون الان والمتعلّق بمسألة تحديد الهوية بحيث يمكن لمن يلقي غلاف قطعة شكلاطة في الشارع أو يروّث كلبه في الطريق العام أن تحدد البلدية هويته وترسل له خطية إلى منزله.. نعم سيحدث هذا في افق 2015 وحينئذ سيفقه جيدا كل الناس أن «الخصوصية» التي ناضلوا من أجلها سنوات سيفقدونها بما أنهم سيصبحون كتابا مفتوحا لدى كل الجهات بفضل تواصل التطور التكنولوجي وسيصبح الرقم الذي يحملونه معرف وحيد بفضله ترصد كل تحركاتهم وتتابع كل نشاطاتهم ويعاقبون عن أبسط تجاوز!!