المجلس المحلي للتنمية بعين دراهم يسطر مخططه 2026 / 2030    وزارة الصحة: اختيار مراكز التربصات للمقيمين في الطب ستجرى خلال الفترة من 16 الى 19 جوان الجاري    عاجل: وصول وشيك لشحنة جديدة من الحافلات الصينية إلى تونس    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    كأس العالم للأندية 2025: بنفيكا يواجه بوكا جونيورز وتشيلسي يفتتح مشواره أمام لوس أنجلس غدا    لجنة انتداب تابعة لوزارة التربية العمانية تزول تونس الاسبوع المقبل (وكالة التعاون الفني)    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    فيلم "عصفور جنة" يشارك ضمن تظاهرة "شاشات إيطالية" من 17 إلى 22 جوان بالمرسى    دورة برلين المفتوحة للتنس: انس جابر في الجدول النهائي بفضل بطاقة الخاسر المحظوظ    مطار النفيضة يستقبل أول رحلة مباشرة من مولدافيا    قافلة الصمود تتجمع في نقطة بالقرب من مصراتة الليبية    لماذا تستهلك بعض السيارات الزيت أكثر من غيرها؟    إتحاد الفلاحة بباجة يدعو إلى مراجعة سلم تعيير الحبوب بسبب تدني الجودة جراء الأمطار الأخيرة [فيديو]    تأسيس الجمعية التونسية للحقوقيين بالوسط    روسيا تدخل على خط الأزمة: بوتين لترامب' 'لن نسمح بتصعيد خطير في الشرق الأوسط''    غدا : إنطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية دورة 2025    وزارة الصحة تُعلن رزنامة اختبار اختيار المراكز للمقيمين في الطب    المُقاومة اليمنية تقصف إسرائيل بالتنسيق مع إيران..#خبر_عاجل    عاجل/ آخر مستجدات قافلة الصمود بعد ايقاف عدد من الناشطين..    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    الكرة الطائرة: هل يبدأ طريق المونديال من تربص إيطاليا؟    بلدية مدينة تونس: عملية تضبيب حراري لمقاومة الحشرات الطائرة بعديد المناطق التابعة لها    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    "بداية" مشروع للتكفل بالنساء ضحايا العنف بولاية سيدي بوزيد    حملة نظافة واسعة بجندوبة الشمالية    كأس العالم للأندية 2025 - الوداد المغربي يتعاقد مع المدافع البرازيلي غيليرمي فيريرا    بنزرت: مشاركة قياسية ضمن أول دورة من فعاليات "نصف ماراطون بنزرت"    الترجي الرياضي يعزز ثقة باسم السبكي بقيادة الفريق لموسم جديد    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    السلطات الليبية: ''قافلة الصمود'' دخلت ليبيا بشكل قانوني    تونس والبنك الدولي يتفقان على مشاريع لتعزيز الإنتاج الحيواني    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    «شروق» على مونديال الأندية : مظاهرات لوس أنجلوس تُربك باريس سان جرمان وأتلتيكو مدريد    الحكومة الإيرانية: ردنا على إسرائيل سيتواصل طالما رأت قواتنا المسلحة ضرورة لذلك    "فارس": إيران تسقط 44 مسيرة إسرائيلية على الحدود    الأهلي يُعلن غياب إمام عاشور رسميًا بعد إصابته أمام إنتر ميامي    مقترح برلماني: 300 دينار منحة بطالة و450 دينار للعاجزين عن العمل    طقس مستقر وحرارة مرتفعة: الجنوب يسجّل 42 درجة    ماكرون يضغط.. وبزشكيان يرد: لا مفاوضات تحت التهديد    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    الفنانة لطيفة تنعى شقيقها نور الدين العرفاوي بكلمات مؤثرة    عبر الذكاء الاصطناعي .. .«عودة» عبد الحليم وأم كلثوم... الى الحياة!    لأول مرة في إفريقيا والعالم العربي .. المؤتمر الطبي الدولي... في سوسة    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    كارثة فنية في إيطاليا: سائح يدمّر كرسي "فان جوخ" المزخرف بكريستالات سواروفسكي    طقس الليلة    شركة النقل بباجة تطلق الاثنين 16 جوان 2025 سفرة تجارية ثانية بين تونس وباجة عبر الطريق السيارة    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    مساء اليوم : المالوف التونسي ....يشدو في باريس    عاجل/ تسجيل 5 وفيات في صفوف حجيج تونس    الخطوط التونسية تعلن عن تغييرات في رحلاتها نحو باريس    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكعبي نموذج فريد ضمن أساتذة الأدب القديم
اتحاد الكتّاب التونسيين يستضيف الدكتور المنجي الكعبي - الدكتور صلاح الدين بوجاه يقول:
نشر في الصباح يوم 27 - 05 - 2007

احتفى اتحاد الكتاب التونسيين مساء الجمعة الماضي بالنّاقد والباحث الأستاذ المنجي الكعبي إذ استضافه لمحاورته حول تجربته الثقافية والأدبية والنقدية والتربويّة وذلك في نطاق نشاط منتدى القصاصين الذي ينشطه الشاعر عبد الله مالك القاسمي.
وقد تولّى الأستاذ صلاح الدين بوجاه رئيس اتحاد الكتاب التونسيين تقديمه بنفسه بنصّ مطوّل هو شهادة خاصّة عن الرّجل.
يقول صلاح الدين بوجاه في شهادته:
**
عرفتُ المنجي الكعبي في ظروف خاصة امتزج فيها الاداري بالابداعي والعائلي. ووجهُ ذلك أنني كنتُ قد رغبتُ في سنةٍ ماضية بعيدة أن أعيد توجيهي من شعبة الفرنسية (التي كنت متفوّقا فيها دون ميل كبير) الى شعبة العربية التي اعتبرتها قَدَري ومنتهى أملي. فالتَمَسْتُ من والدي أن يسعى في إعانتي على ذلك، فاتّصل بالسيد الكعبي عن طريق صديق آخر من معارفه، فكان لي ما أردت.
وأذكر أنني قد صَعدتُ بعد ذلك مباشرة الى مكتبه في مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بنهج اسبانيا متعثرًا شاكرًا جميله ، منصتًا لحديثه غير الطويل عن "الدولة الطاهرية في خراسان والعراق" وعن شهادة دكتوراه الدولة.
منذ ذلك الحين البعيد الذي يرتقي الى اثنتين وثلاثين سنة مضت، أي الى سنة 1975 من القرن الماضي، نشأت في ذهني صورة عن الدكتور المنجي الكعبي لم تتغيّر، رغم كَرّ الحقب وتعاقب الاحداث، بل لعلها ما فتئت تتأكد وتترسخ. فالرجل أستاذ جامعي من الدرجة الأولى، بل أعلنها صريحة دون مواربة فأقول إنه أفضل كثيرًا من كثير من أساتذة الدرجة الأولى.
أقول هذا وأتشبّث به، وأكرّره لأنني، ولئن كنتُ من المجاملين، فما كنت يومًا من المنافقين، والبونُ بين الصنفين شاسع كبير، ويعنيني أن أعلن ما هو عندي من قبيل اليقين.
والرّجلُ كيّسٌ لبِقٌ، مهذّب، حتى إنني أكاد أعلن أنه حييّ في الحياة العامة، وضمن علاقته بصحبه وزملائه وأحبابه، لكنّ قلمه 0 في العلم والحقّ- يتحول الى مقصلة تُصدر حكمها القاطع الباتّ الذي لا رجعة فيه، بالاستناد الى علم ثرٍّ دقيق غزير يتوق اليه أكثرنا، فنكاد لا نُصيبُ منه شيئا!
ذلك أنّ أستاذنا الكعبي نموذج فريد ضمن أساتذة الأدب القديم خاصة، يستند علمُه الى معارف تاريخية وفقهية ودهائية وشعرية، ونثرية ترسُّلية، وإدارية سُلطانية ونحوية وصرفية ومعجمية وعروضية شتى عَزّت في أيّامنا، وقلَّ اجتماعها عند شخص واحد.
لهذا أعلن بين يديْ حضراتكم أنني مدين لهذا الرجل بالكثير، بل بأكثر مما يعلم هو ذاتُه. ويُشرّفني أن يحدث هذا، لأن الرجل ليس من الأدعياء، بل هو في صمته وانزوائه وتعفّفه يكاد يكون نسيجَ وحده. ولو قُيِّضَ لغيره - في هذا الزمان- نصف معرفته لملأ الدنيا وشغل الناس، وأعْلَنَ أنّه الأديب الفذّ والمحقّق الأوحد، والمؤرخ الجهبذ الذي لم تُنْجِبه الآدابُ العربية، وهل يتيسّر لها ذلك!!
لهذا فإنه يحلو لي - بعد إذنِكم - أن أستعرضَ معكم نبذًا سريعة من مُصنَّفِه حول دولة بني طاهر، وهو المصنّف المتوفّر بالقرب مني اليوم. لهذا أتناوله ذِكرًا لا حصرًا قصد الإشارة الى تجذّر أسلوبه في سياق الآداب العربية الرفيعة، التي يحلو لنا جميعا الانتساب إليها:
«كان الطاهريون، وهم من أرومة فارسية عربًا بالولاء في خزاعة، وإليها يرجعون بالنّسب في معظم الدواوين. وكان ولاؤهم في خزاعة عن طريق جدّهم الأعلى ... في أوّل الإسلام. وكان للخزاعيين سابقة في الدعوة الهاشمية ومشاركة في السلطة منذ ما قبل العهد الأموي...
... وكانت الثورة العباسية تعُدُّ في رجالاتها الكثير من الخزاعيين، وأشهرهم طلحة الطلحات الخزاعي، وكان صاحب كلمة مسموعة عند أبي مسلم الخراساني قائد الثورة...
... وتُعَدّ الطاهرية أقدَم دولةٍ إسلامية ظهورًا في الشرق، وظلّت موالية لبغداد الى آخر أمرائها، خلافًا لدول كثيرة أعقَبَتْها في خراسان، وقامت منازعة لسلطة الخلافة ..الخ» (مقدمة الكتاب).
وإنّما رغبتُ أن أُحِيلَ على هذا المقطع ذِكرًا لا حصرًا، وقد أظْفَرني به وجوده عندي في هذا الظرف بعيدًا عن المكتبة والكتب. وأريد أن ألفت انتباه حضراتكم الى متانة أسلوب الرجل وجزالة لفظه، واندراجه ضمن أفُقِ انتظار العربية الأنيقة.
الكعبي يرُدّ التحيّة
وفي نهاية الجلسة تحدّث الدّكتور المنجي الكعبي وممّا قاله:
... وإن كان لي فضل في مساعدة الصديق صلاح الدين بوجاه، كما ذكر الآن أمامكم - على إعادة توجيهه من شعبة الفرنسية التي كان ناجحا فيها الى العربية التي تعلقت بها غاياته الادبية والعلمية، فلأني وجدته شابًا واعدًا مأمولاً، فلم أفعل سوى أني أوسعت للنهر في مجراه لتكسب العربية بإبداعه ونبوغه. ولأن الفتى وما أحبّه في ما استقرّ عليه اختياره لمستقبله.
ولأنّي كنت أؤمن بذلك وأدافع عنه في الجامعة وفي الحياة السياسية، إذ كنت آنذاك بمجلس الامة. فلم آثم في حق الفرنسية من عبقرية الاستاذ بوجاه، ولكني آثرتُ العربية حين ضمنت لها كسبًا منه هي به أوْلى.
وكنتُ آثمُ في حق العربية لو ترددتُ، ولكني جمعت بين حسنتين، إذ لحدّ علمي أصبح الاستاذ صلاح الدين بوجاه متخصّصا ومرجعا مرموقا في حياة الادبين العربي والفرنسي في تونس ومحطينا المغربي العربي في القصة، وفي كل شؤون الفكر والأدب باللغتين في هذه الاصقاع. ولو بقي على توجيهه الاوّل لفاتَ العربية فضل كثير مما يملكه الآن من موهبة ومكانة وإبداع وإشعاع في لغته الاصلية، ولفاته ربما ما حققه كذلك من اعتبار وتقدير في اللغة الفرنسية، بل وفي لغات آداب أجنبية أخرى لهذه الخاصية فيه بالذات.
وحين كنت في مدّتي النيابية أوّل الداعين لتأسيس قطب جامعي بالقيروان كانت سعادتي عظيمة حين أصبح الاستاذ بوجاه - وهو من هو في تقديري له واعتزازي به - عميدًا لتلك الكلية، كلية الآداب التي تأسست بها.
وحين كنت أغادر المجلس النيابي قيل لي إنه سوف لن يخلفك جامعي يترك ما تركتَه من أثر على الحياة العامة والنيابية والحزبية بالخصوص، لقلّة من يوفق من الجامعيين بين متناقضين،السياسة والفكر. كان تقديري بالعكس يتّجه الى أن المفكر والعالم والجامعي والكاتب بصفة عامة لا يكون الجديرَ بمكانته في الحياة العامة إذا تخلّى عن قيمه الذاتية كعالم ومفكر وكاتب وأستاذ.
وأن الأثر الذي تركته مهما يكن التوفيق الذي وجدته فيه في نظر الملاحظين، الاّ أنني كنت أعتقد أنه سوف يثمر في نفوس الاجيال تعلّقًا بإقامة العلاقة السليمة بين الفكريّ والسياسيّ وبين الادبيّ والواقعيّ حتمًا في حياتنا الحديثة، كما كان أسد ابن الفرات أو ابن خلدون أو غيرهما من الاعلام في السابق.
وصديقنا الاستاذ الدكتور صلاح الدين بوجاه هو اليوم منارة ثانية وأكثر إضاءة على الطريق.
وأنهى الدكتور الكعبي كلمته قائلا:
... يمكن القول بأن اتحادنا بحق تجدد شبابه من جوانب كثيرة، وأنه بفضل الدعم الذي يلقاه من المسؤولين على رعاية الفكر والثقافة والأدب أصبح أعضاؤه والكتاب التونسيون بصفة عامة ينعمون بأمن وأمان القلم والتعبير، من أجل القيام بدورهم الطليعي في نهضة بلادنا وتقدّمها ونهضة الامة التي ننتمي اليها وإشعاعها، ومن أجل حمل مشعل التجديد والتقدّم والحداثة في عالم العولمة ومعترك الاصالة والهوية والإبداع، وهم طبعًا عند كل تضحية وضريبة للمحافظة على القيم والمكاسب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.